أثرت سنوات الحرب الماضية على السوريين بشكل عام، وعلى المعلمين بشكل خاص، إذ عانوا خلال الفترة الماضية من ظروف معيشية متدنية، لم يكن الراتب الشهري كفيل بمجاراتها أو التخفيف منها، إضافة إلى فقدان عدد كبير منهم في سجون النظام نتيجة اعتقالات تعسفية حصلت بحقهم إثر تقارير كيدية كتبت بهم، كذلك هجرة عدد كبير منهم هرباً من جحيم الحياة في الداخل السوري.
وكذلك ساهم النظام بشكل مباشر في قتل عدد كبير من الكوادر التعليمية وهم على رأس عملهم، وتشريد قسم آخر ، من خلال القصف المباشر للمدارس، فضلاً عن التهجير الذي طال عدداً منهم إلى الشمال السوري.
كل ذلك جعل المعلم /ة أحد أبرز ضحايا الحرب، حيث يكابد ضنك العيش في واحدة من أصعب المهن وأكثرها نبلاً، إلا أنها وبعد 12 عام من الصراع، أصبحت المهنة الأشد بؤساً من ذي قبل والأكثر مشقة، وفقدت احتراماً وهيبة كانت تتصف بها سابقاً.
يقول المعلم “يحيى ياسر”، اسم مستعار، لأسباب أمنية، مدرس رياضيات في ريف دمشق، له من الخدمة في السلك التعليمي قرابة 20 عاماً، إن “المعلم اليوم يعيش أسوأ أيام حياته وعلى جميع الأصعدة، وأن حبه للمهنة هو الشيء الوحيد الذي يجعله يصبر عليها”.
إذ أن تقدمه في العمر يمنعه من ممارسة مهنة أخرى إلى جانب التدريس كما يفعل غالبية المعلمين، لتأمين لقمة العيش لعوائلهم في ظل الظروف الاقتصادية المتردية، حسب ما أخبرنا، حيث أن الراتب المتدني الذي يتقاضاه المعلم بشكل عام، لا يتناسب أبداً مع الغلاء وارتفاع الأسعار وانهيار الليرة السورية، وختم حديثه معنا أن “المعلم اليوم أشبه بالشحاد المثقف، ولا أحد يكترث لأمره”.
يبلغ راتب المعلم في مناطق سيطرة النظام ما بين 120 إلى 180 ألف ليرة سورية، حسب سنوات الخدمة، أي ما يعادل قيمته ما بين 20 إلى 30 دولار، وهو متدني جداً مقارنة بالأوضاع المعيشية والاقتصادية المتردية، ما أجبر كثير من أصحاب الخبرة والكفاءة العلمية، على ترك القطاع التعليمي والاتجاه نحو مهن أخرى مدخولها أكثر من مهنة التعليم، أو الجمع بين التدريس وعمل آخر إضافي.
مهن كثيرة يلجأ إليها المعلمون، تعد من المهن الشاقة، رغم تحصيلهم العلمي، وقضاء سنوات من الدراسة لتأمين فرصة عمل تناسب مستواهم العلمي، غير أن الظروف الاقتصادية التي يعيشها غالبية السوريون في مناطق سيطرة النظام، أجبرت كثيرين منهم على التوجه إلى تلك المهن دون تردد بل تقول المعلمة “ياسمين” اسم مستعار، بناء على رغبته، لمراسلتنا، إن “مردود عملها في بيع مستحضرات التجميل وقطع الملابس أعلى بكثير من عملها في التدريس”.
“ياسمين” معلمة مادة التاريخ، من سكان مدينة التل في ريف دمشق، تعمل بالتسويق الإلكتروني، وبيع الملابس والمواد التجميلية إضافة إلى عملها في المدرسة، تخبرنا “أن معظم زميلاتها من المعلمات جميعهم خريجات جامعات، و بكفاءات علمية عالية، إلا أن تدني رواتبهم الشهرية، أجبرتهم على البحث عن عمل إضافي مهما كان لتوفيق متطلبات الحياة اليومية كذلك تتشابه معاناة المعلمين/ات في مختلف المناطق والمحافظات السورية”.
وأضافت أن “معظم المعلمين اليوم يعملون في مهن أخرى بعد انتهاء عملهم، أو يعملون في معاهد خاصة، و إعطاء دروس خصوصية، ليتمكنوا من تأمين لقمة عيشهم، بالوقت الذي تخلى عدد كبير منهم عن المهنة وقدم استقالته بسبب تدني الرواتب”
هذا حال مهنة التعليم في مناطق النظام، بعد أن كانت مهنة “مقدسة” في نظر السوريين، وكان للمعلم/ة مكانته الاجتماعية المرموقة، واحترامه بين الطلاب وباقي الأوسط الاجتماعية الأخرى، أصبح اليوم عاملاً في شتى المهن الأخرى في سبيل تأمين لقمة العيش و أدنى متطلبات الحياة في ظل الأزمات المعيشية الخانقة التي تشهدها جميع المحافظات السورية.