زلزال الشمال يكشف دور المرأة في مساندة وتضميد جراح المنكوبين

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص - SY24

برز دور المرأة السورية واضحاً عقب الزلزال المدمر الذي ضرب الشمال السوري في شباط/فبراير الماضي، لتثبت أنها قادرة على المشاركة والتأثير ولو بشكل تطوعي في أصعب الظروف.

  

وكان من اللافت للانتباه، كيف حاولت النساء مساعدة بعضهن البعض رغم ضعف الإمكانات، وكيف حاولن التخفيف من الأضرار الجسدية والنفسية التي تسبب بها الزلزال المدمر للنساء والأطفال شمالي سوريا.

 

منصة SY24 التقت مع عدد من النساء في بعض مدن الشمال السوري، واللواتي اتخذن من بعض الخيام مكاناً اجتمعن فيه وبدأن بمساندة ومواساة بعضهن البعض، إضافة إلى محاولتهن تضميد جراح بعض المصابين والمصابات قبيل نقلهم إلى المستشفى لتلقي العلاج.

  

وكان كل ذلك يتم ضمن خيام غير مجهزة بمعدات طبية على الإطلاق، إنما كانت أشبه بمراكز للدعم النفسي والمعنوي مع بعض الإسعافات الأولية البسيطة.

  

إحدى السيدات وتدعى “آية الأحمد” والتي تبلغ من العمر 37 عاماً، واحدة من ضحايا الزلزال اللواتي تلقين الإسعافات الأولية في مثل هذه الخيام، روت لمنصة SY24 تفاصيل معاناتها خلال الزلزال وما بعده وكيف نجت من الموت بأعجوبة قائلة: “استيقظت على اهتزاز رهيب للأرض وتحرك مخيف للبناء وأصوات قرقعة في باطن الأرض وصوت تكسير أعمدة الإسمنت المسلح الذي اختلط مع صوت المطر الغزير”.

  

وأضافت: “لم أستطع فهم ما يجري في تلك اللحظة، وخلال لحظات أصبحت تحت الركام ولم أعد قادرة على تحريك أي جزء من جسدي، وكلما حاولت التقاط أنفاسي كانت الأتربة والغبار تملأ رئتاي فأشعر بالاختناق شيئاً فشيئاَ، فعلمت حينها أنها لحظاتي الأخيرة وشعرت بالاستسلام، وفجأة سمعت صوت أحدهم وهو يرفع الركام عني حتى شعرت أنني أصبحت قادرة على التنفس والحركة، ثم عاد البناء للاهتزاز من جديد”.

  

وتابعت: “حاولت الفرار لكن قدماي لم تسعفاني، فبدأت أحبو باتجاه الدرج، لكني لم أستطع رؤية أي شيء حولي بسبب الظلام والغبار الكثيف، ورغم ذلك كنت أزحف بكل قوتي حتى وصلت خارج المبنى”.

  

وزادت بالقول: “كانت أمامي سيدة تصرخ بصوت غير مسموع بسبب ضجيج المكان، وفي الجانب الآخر أشلاء طفلة يحملها رجل يسأل إن كان هناك من يستطع التعرف عليها، وحينها أخبرني أحد الجيران بأن أطفالي بخير واصطحبني إلى مكانهم في خيمة تجمهر بها الناجون من الأطفال والنساء”.

  

وتحدثت آية عن تفاصيل ما كان يجري داخل الخيمة التي وصلت إليها، فقالت: “دخلت سيدة الخيمة وهي تصرخ وتطلب أن يساعدها أحدهم لإنزال ابنتها المعاقة من الطابق الرابع، وعندما نزلت بدأت تبحث عمن يساعدها في إنقاذ ابنتها، وقبل أن تنهي شرح تفاصيل البناء الذي تتواجد فيه ومكانه قال لها أحدهم إن المبنى قد سقط الآن وكل من فيه هم في عداد الأموات، وعندها خرجت السيدة مسرعة باتجاه المبنى المنهار وهي تبكي وتصرخ بأعلى صوتها، لقد كنا جميعاً مصابين بجروح ورضوض وكسور والكثير أصيب بالصدمة ومازال يلتزم الصمت”.

  

وكانت بعض النسوة يقمن بتضميد جراح المصابين داخل الخيمة، كما كانت بعضهن الآخر يحتضن الأطفال الذين خرجوا دون ذويهم ويحاولن مواساتهم والتهدئة من روعهم، حسب ما روته آية.

  

كما أن النساء تقاسمن حتى الملابس مع السيدات الأخريات، فالجميع خرج من نومه دون لباس مناسب، والبعض تبلل لباسه بالمطر أوالدم نتيجة الإصابات، كما كانت هناك عدة سيدات تأخرن في الخروج من الأبنية أثناء الزلزال لارتداء ملابس مناسبة خوفاً من انتقاد المجتمع لهن فلم يستطعن النجاة، حسب آية.

  

لقد اثبتت المرأة السورية دائماً أنها قادرة على الفعل والتأثير في كل المجالات، حتى لو كان هذا الفعل على مستوى خيمة طوارئ صغيرة أو تطوع فردي والقيام بتقديم ملابس أو مواساة طفل، فلم تقف مكتوفة الأيدي وتنتظر من يطلب منها أو يسمح لها بالمشاركة في عملية الاستجابة السريعة للطوارئ، بل كانت تتشارك مع رجال الدفاع المدني في عمليات الإنقاذ لتثبت لجميع من يشكك في قدراتها أنها موجودة في الميدان وما عليهم سوى رؤيتها وإنصافها. 

  

من جهة أخرى، لم تقتصر معاناة ضحايا الزلزال على ما جرى أثناء وقوعه، بل إن المعاناة الحقيقية بدأت بعد الزلزال مباشرة، سواءً أكانت معاناة فقد الأهل، أو الأصدقاء، أو الجيران، أو المعاناة المادية ومعاناة التشرد من جديد، أو حتى المعاناة النفسية التي أصابت الكثير من الناجين والناجيات.

  

وفي هذا الجانب، قالت السيدة آمنة اليحيى لمنصة SY24: “ما زلت اشعر باهتزازات لأرض من تحتي وأخشى النوم في أي بناء، حتى أنني كنت أنام داخل سيارة أهلي إلى أن قام والدي ببناء خيمة لنا بجانب البيت، ومازلت أنام فيها حتى الآن، إلا أنني ما زلت أخاف من النوم في المنزل ليلاً، ربما لأن الزلزال حدث في هذا التوقيت”.

ولم تقتصر آثار الزلزال على النساء فقط، بل كانت له آثار نفسية سلبية على الأطفال أيضاً، وبمجر تذكرهم لما حصل معهم في تلك الليلة يتأثر بعضهم إلى حد البكاء.

  

الطفل “سيف الدين” روى لمراسلة منصة SY24، ما عاشه ليلة الزلزال قائلاً: “خرجت من المنزل مباشرة ثم بدأت أبحث عن أهلي، وعندما وجدت أمي وأخي الصغير سألتهم عن أبي، فقال لي أخي إن والدك عاد إلى المبنى ليبحث عنك، وقال لي أيضاَ إنه إذا سقط البناء ومات أبي فسأكون أنا السبب في موته”.

  

وتابع والدموع تغمر عينيه: “ركضت باتجاه المبنى وبدأت أصرخ على أبي كي يسمعني ويخرج من المبنى الآخذ بالانهيار، والحمد لله خرج أبي، وعندها شعرت بسعادة لا توصف لخروجه كي لا أكون سبباً في موته”.

  

وساهم الزلزال في كسر الحواجز بين مختلف فئات الشعب السوري وطبقاته، وكان سبباً في إعادة اللحمة بين مختلف السوريين بقومياتهم ولغاتهم وأديانهم.

  

وفي هذا الصدد، قالت رنكين (من هي): “عندما شعرت بالزلزال كنت مترددة أنا وزوجي بالخروج من المنزل، إلى أن بدأت جدران المنزل تتهاوى علينا فأصيب زوجي بجرح في رأسه أما أنا فسقطت الحجارة على قدماي وأصبحت عاجزة عن المسير والحركة”.

  

ومضت قائلة: “كنت أصرخ بأعلى صوتي ليأتي أحدهم وينزلني من المبنى لأنني لم أعد أستطيع الحركة، فخرج زوجي العجوز ليبحث عن أحد ما ليخرجني من بين ركام المنزل قبل انهيار المبنى، وبعد دقائق شاهدت أحد الجيران المهجرين ومعه زوجي فحملني هذا الشاب على ظهره إلى خارج البناء وأوصلني إلى سيارته وقام بإسعافي أنا وزوجي، كان طريق المستشفى مغلق بالركام، وعندما وصلنا بعد جهد جهيد كانت الجثث أمام المستشفى بالعشرات، في حين لم يتركنا هذا الشاب حتى قام بتأمين العلاج لنا أنا وزوجي، بل قام بزيارتنا لاحقاً والاطمئنان علينا”.

 

وفي السادس من شباط/فبراير الماضي، ضرب زلزال مدمر جنوبي تركيا وامتدت آثاره إلى الشمال السوري مخلّفاً أضراراً مادية كبيرة، ما دفع بفريق الدفاع المدني لإعلان الشمال السوري منطقة منكوبة.

مقالات ذات صلة