تعد تربية النحل وإنتاج العسل من المهن الرائجة في الشمال السوري، ولاسيما في مناطق سهل الروج وجسر الشغور وحارم وبلدات جبل الزاوية، إذ تكثر المراعي والنباتات الموسمية والأشجار المثمرة، وتبدأ رحلة الخلايا بالتنقل من مرعى إلى آخر منذ بداية الربيع إلى انتهاء موسم الزراعة المختلفة عند حلول الشتاء.
يعتني النحال “أبوعبد العزيز” مقيم في إحدى مزارع جسر الشغور بخلاياه الأربعين، منذ نزوحه من ريف المعرة الشرقي قبل عدة سنوات، وتمكنه من نقل خلايا النحل معه إلى مكان سكنه، كونها مصدر رزقه ومهنته التي ورثها عن والده، إذ يعمل في تربية النحل منذ أكثر من 11 عام.
يقول في حديثه إلينا: إن “والده عمل في تربية النحل قرابة ثلاثين عاماً، وأصبحت المهنة جزءاً لاينفصل عن العائلة، ومصدر رزق وبركة، فضلاً عن أهميتها بالنسبة للمنطقة من ناحية الحفاظ على الثروة الحيوانية وتلبية حاجة السوق المحلي من العسل وفوائد النحل في التلقيح”.
يخبرنا النحال “أبو عبد العزيز” أن النحل يحتاج إلى نقل بين عدة مواسم عقب انتهاء فصل الشتاء إذ يبدء موسم أزهار المحلب، والكزبرة، وحبة البركة، واليانسون، والشوكيات، والجيجان وغيرها الكثير من المواسم الزراعية، وعند انتهاء المواسم، يحتاج إلى تغذية بالسكر.
مقدراً تكلفة الخلية الواحدة سنوياً بين تكاليف النقل والتغذية والأدوية حوالي 25 دولار، وتنتج الخلية مايقارب 30 كيلو غرام من العسل، قد يقل أو يكثر حسب الموسم، في حين يصل سعر خلية النحل الجاهزة مابين 30 _ 130 دولار.
غير أن قطاع تربية النحل يواجه صعوبات متزايدة في الشمال السوري، منها عدم تصدير العسل إلى الأسواق الخارجية، والصعوبات نقل خلايا النحل بين المراعي المختلفة بسبب الألغام الأرضية، وارتفاع تكاليف النقل، كما ساهم الاحتطاب وقلة المساحات الخضراء، وتغيرات المناخ إلى تقليل عدد الخلايا حسب قول من تحدثنا إليهم من النحالين.
إلا أن المشكلة الأبرز التي يواجهها النحالون بشكل متجدد كل ربيع، هي تعرض خلايا النحل وقد تكون بالمئات إلى التسمم، نتيجة حملات الرش بالمبيدات الحشرية، التي يقوم بها المزارعون للتخلص من الآفات الحشرية المضرة بالمحاصيل الزراعية، ويكون النحالون بهذه الفترة قد وزعوا خلاياهم بين المحاصيل الزراعية، ما يتسبب بموت المئات منها وخسارات تقدر بآلاف الدولارات.
يقول المهندس “أنس رحمون” في لقائه معنا: إن “هذه المشكلة الكبيرة لايمكن حلها من طرف واحد، بل تحتاج إلى تنسيق وتظافر جهود كلاً من المزارعين والنحالين، إذ يقتضي الواجب الأخلاقي والشرعي على المزارع إخبار النحالين قبل رشد المبيدات الحشرية، من أجل إخراج جميع الخلايا من الحقول، وهنا نتجنب مشكلة كبيرة قد تؤدي إلى موت مئات طوائف النحل”.
وأضاف أن هناك نوع محدد من المبيدات، أمن على الثورة الحيوانية والاسماك أيضاً، يجب صرفها من قبل المهندسين للمزارعين لتجنب تسمم الخلايا، وهذه المسؤولية تقع على عاتق وزارة المهندسين، وزراة الزراعة لضبط الموضوع، في هذه الفترة بذات.
وأهاب “رحمون” بالمزارعين بضرورة رش المبيدات قبل المغرب بنصف ساعة، وهو أنسب وقت للمحاصيل والخلايا بوقت واحد، حيث تكون النحلات الشغالات قد انتهت من وقت جني الرحيق، وعادت إلى خلاياها وتكون نسبة الضرر أقل بكثير من فترة النهار.
أضرار كثيرة تلحق بمهنة تربية النحل، يواجهها النحالون في الشمال السوري وسط إصرار من قبلهم على تحدي هذه الصعوبات وإيجاد حلول دائمة لها، وممارسة عملهم ومصدر رزقهم، وسط ظروف معيشية واقتصادية صعبة، وتدني مستوى الدخل، وقلة فرص العمل.