منذ خمسة أيام، التحقت عبير “أم هدى” 36 عاماً، مع عشرة نسوة أخريات في ورشة عمل نسائية، قصدن هذه المرة حقول الوردة الشامية أو ماتعرف باسم الوردة الجورية التي زرعت مؤخراً في حقول منطقة “كللي” في ريف إدلب الشمالي، كونها زراعة جديدة ودخيلة على الشمال السوري جلبها المهجرون من دمشق إلى إدلب، ولاقت رواجاً ونجاحاً في المنطقة.
تقول السيدة: إنها “تعمل في ورشات الحقول الزراعية منذ عدة سنوات، بعد وفاة زوجها، ونزوحها من قريتها في ريف إدلب الجنوبي، ما جعلها تبحث عن فرصة عمل ضمن إمكانياتها المحدودة، لتعيل أطفالها الأربعة، تخبرنا أن هذا العام كان العمل مميزاً في حقول الوردة الجورية فهي تفتح النفس على العمل، وهذا عامها الأول الذي تعمل به في بقطاف الورد.
قبل طلوع الشمس، تكون “أم هدى” وبقية العاملات قد توزعن في حقل الورد، وبدأت مرحلة القطاف، إذ تمسك كل واحدة منهن وعاء أو سلة كبيرة، لوضع بتلات الأزهار فيها، متنقلات كالنحلات بين شجيرات الورد العطرة، تقول لنا إنها تفضل أن تضع الورد في ثوبها كما كانت تفعل في قطاف الزيتون، ثم تضعها بعد أن تصبح الكمية كبيرة في كيس شفاف.
يخبرنا “أبو محمد الشامي” صاحب الأرض في بلدة كللي، أن اوقات قطاف الورد تختلف عن باقي المحاصيل الزراعية التي اعتادت عليها العاملات، فهي تنقسم إلى فترتين فقط، الأولى من قبل طلوع الشمس وحتى الساعة الثامنة صباحاً، ثم تتوقف العاملات عن القطاف، وتعود في وقت العصر وتستمر إلى موعد غياب الشمس، أي أربعة ساعات في كل فترة، ويمكن للعاملات القيام بأعمال أخرى بين الفترتين كالتعشيب أو قطاف الخضار من مزارع قريبة أوغيرها من أعمال البستنة.
وعن الأجرة التي تحصل عليها العاملة يقول “أبو محمد”
هناك ورش تعتمد على يومية مقطوعة أي خمسين ليرة تركية طيلة اليوم، وهناك من يعتمد على الأجرة مقابل ساعة العمل، إذ تبلغ ساعة قطاف الوردة 9 ليرات تركية ، وفي كلا الحالتين الأجرة لاتتعدى 60 ليرة تركية أي حوالي 3 دولار فقط.
تعتبر العاملات أن هذا مبلغ قليل جداً مقارنة مع متطلبات الحياة المعيشية، تقول إحداهن إنها “مجبرة على العمل بأي أجرة كانت وإلا فإن أطفالها لن يحصلوا على الطعام والخبز”.
توفر الأعمال الزراعية في الحقول فرص عمل للنساء والرجال على حد سواء، إلا أنها لاتخلُ من الاستغلال وانخفاض الأجرة مقارنة بساعات العمل الطويلة، المجهود الذي يبذله العمال/ات.
ويستمر موسم قطاف الورد الجوري لعدة أشهر تبدأ من الشهر الخامس، ويكون القطاف كل يومين ثم يخف ليصبح كل عدة أيام إلى حين تفتح موسم جديد من بتلات الورد، لذا فهي فرصة عمل مؤقتة لا تستمر طويلاً.
يقول “أبو محمد” إن إنتاج الورد الدمشقية يستمر إلى آخر شهر تشرين الثاني، ويخصص أول شهرين لقطاف بتلات الورد وبيعها في السوق المحلية لصناعة المربيات وشراب الورد، وفي آخر الأشهر يقد تقطف الأزرار الصغيرة وتجفف ثم وتباع.
يبلغ سعر كيلو بتلات الورد اليوم في السوق المحلية 25 ليرة تركية، يؤكد لنا المزارع إن حاجة السوق كبيرة مقارنة بالكميات الموجودة في الحقول، لذا فإن التصدير يكون على مستوى ضيق جداً.
وفي حديث سابق مع المهندس “موسى البكر” لمنصة SY24 قال: إن “استخدامات الوردة الدمشقية كثيرة، وأهمها دخولها في صناعة العطور والزيوت وماء الورد، لأغراض تجميلية ولكن مشاريع تقطير الوردة ليست متوفرة بالشكل الكامل حاليا في إدلب، باستثناء مشاريع صغيرة جداً ومحدودة، وهناك مشاريع قيد التجربة أيضا ويتوقع المهندس مستقبلاً جيداً لإنتاج وترويج الوردة الدمشقية في إدلب في السنوات القادمة”.
تعود” أم هدى” آخر اليوم إلى خيمتها تحمل عطراً فواحاً بعد عملها في قطاف الورد، إذ تعطر رائحة الورد الجوري حقول وبساتين ريف إدلب، ويغطي اللون الوردي مساحات واسعة من الأراضي اليوم، إذ دفعت التجربة عدة مزارعين إلى استثمار مساحات واسعة من الأراضي في ريف إدلب لزراعة كميات كبيرة منها بغرض الإنتاج والتسويق، ولاقت رواجاً كبيراً في أسواق المدينة، إقبال من الأهالي على شرائها.