تتطلع عائلات في محافظة إدلب إلى تحضير كميات معينة من مونة المكدوس حسب وضعها المادي، والتي تعد من أشهر الأكلات التراثية الشعبية، متصدرة قائمة بيت المونة السوري، سواء في وجبات الفطور أو العشاء، إذ كانت تحضر في السنوات السابقة بكميات كبيرة جداً، غير أن الغلاء وارتفاع أسعار المواد الأولية اللازمة لتحضيرها جعل كثير منهم يتخلى عنها أو يقلل كمياتها.
سلقت “تغريد” 30 كيلو من الباذنجان فقط وهو ربع الكمية التي كانت تصنعها في منزلها بمدينة كفرنبل قبل نزوحها، إلى دير حسان شمال إدلب، تقول السيدة الثلاثينية، إنها “تحرص قدر المستطاع على صنع المونة لعائلتها ولو بكميات قليلة، ولاسيما المكدوس فهو أساس المونة في البيت”.
تخبرنا أن تكاليف المكدوس هذا العام مرتفعة جداً مقارنة بالعام الماضي، حيث بلغ سعر كيلو الباذنجان 6 ليرات ، والفليفلة الحارة 9 ليرات ،والجوز البلدي 130 ليرة، ولتر الزيت (الأبيض) 35 ليرة، أما زيت الزيتون فسعره بين 70_90 ليرة حسب جودته، وبحسبة بسيطة تقدر “تغريد” تكلفة مضربان من المكدوس سعة خمسة كيلو غرام قرابة 350 ليرة تركية وهو مبلغ مرتفع مقارنة بالكمية القليلة وبالقدرة الشرائية لغالبية الأهالي.
إذ كانت الأسرة السورية تعتمد على المونة اعتماداً أساسياً في السابق، تقول “تغريد” إن النزوح أجبرهم على التخلي عن كثير من عاداتهم ولاسيما بعد تدهور العملة وارتفاع أسعار جميع المواد الغذائية، وأصبح تأمين لقمة عيشهم يوماً بيوم.
يبدأ موسم تحضير المكدوس في شهر آب ويستمر حتى منتصف شهر تشرين الأول، تزامناً مع تجهيز مونة الفليفلة الحمراء، كما أنه يعد موسم عمل لكثير من الأسر التي تقوم بصنع المكدوس وبيعه، إذ تشكل صنع المونة باب رزق ومصدر دخل لهم.
تتفق السيدات في طريقة صنع المكدوس بدءاً من سلقه وصولاً إلى وضع الزيت عليه، تقول تغريد إنها “تسلق الباذنجان أولاً إلى أن ينضج ثم يملح ويوضع في صندوق مثقوب أو وعاء بواسطة شيء ثقيل جيداً حتى يخرج الماء منه ويصبح جافاً تماماً، أثناء هذه المرحلة تكون حبات الفليفلة قد جفت أيضاً، ثم تخلط بعد فرمها مع الجوز والثوم ويحشى بها الباذنجان وأخيراً يضاف إليهم الزيت وتؤكد أن هذه العملية تتم على عدة مراحل وتستغرق ثلاثة أيام حسب الطريقة المتبعة، إلى أن توضع في المرطبانات”.
بالوقت الذي قللت فيه عائلات كثيرة من كميات مونة المكدوس هذا الموسم، كنوع من التأقلم مع ظروفهم المعيشية الصعبة، عجز قسم آخر عن صنع مؤنتهم، بينما تكتفي بعض الأسر بشراء كيلو واحد فقط كنوع من الشهوة، إذ أي أن التكلفة العالية لتحضير المكدوس باتت فوق طاقتهم وقدرتهم الشرائية فضلاً عن أنهم تنازلوا عن أشياء كانت بالزمن القريب من أساسيات حياتهم، من ناحية الطعام والشراب والكسوة واللوازم الضرورية الأخرى.