تراجع قطاع التعليم العام في مدينة إدلب ووصل مستويات غير مسبوقة، على حساب تنامي القطاع الخاص والتوجه نحو خصخصة التعليم، في منطقة يعاني معظم سكانها من الغلاء المعيشي وقلة فرص العمل وتدني مستوى الدخل، فضلاً عن توجه عدد كبير من الكوادر التعليمية إلى المدارس الخاصة بسبب انخفاض قيمة الرواتب في القطاع العام، وسيطرة العمل التطوعي منذ سنين والذي أثر سلباً على التعليم في المنطقة.
وتناولت منصة SY24 ملف التعليم في عدد من تقاريرها الدائمة، حيث سلطت الضوء على أثر انقطاع الدعم عنها ودوره في تراجع القطاع العام، وكان قد تجاوز عدد المنشآت التعليمية المرخصة 161 بين مدارس ومعاهد ورياض أطفال، والعدد قابل للزيادة كل عام يسبب توجه كثير من رؤوس الأموال نحو الاستثمار في قطاع التعليم الخاص.
وبلغت قيمة الأقساط السنوية في معظم المدارس الخاصة ما بين 150 إلى 350 دولار للطالب الواحد، وتختلف حسب المرحلة التعليمية والمدرسة والمنطقة فضلاً عن الميزات الأخرى التي تحظى بها المدارس من تميز الكادر التعليمي، والأنشطة المقدمة.
وتتبع المدارس الخاصة إدارياً إلى المجمع التربوي في مديرية التربية والتعليم في إدلب، كذلك تدرس المناهج ذاتها الموجودة في مدارس التربية، ويعود سبب ازدياد عدد المدارس والمعاهد الخاصة، إلى ضيق المساحة التعليمية، وقلة عدد المنشآت التعليمية التي تعرض قسم كبير منها إلى القصف من قبل الطيران الروسي وقوات النظام في السنوات الماضية.
يقول مدرس اللغة العربية “إبراهيم” 47 عاماً، إن “تدني مستوى التعليم في المدارس العامة جعل عدد كبيراً من الأهالي يقبلون نحو التعليم الخاص، مؤكداً أن ارتفاع تكاليف التعليم جعله حكراً على طبقة الأغنياء من المجتمع، فيما تقتصر المدارس العامة على الفقراء وذات الدخل المحدود من السكان، بالوقت الذي تخلى عدد كبير من الأهالي في المخيمات عن تعليم أطفالهم بسبب افتقار معظم المخيمات إلى المنشآت التعليمية”.
وأشار من خلال حديثه إلينا، أن” الفرق بات واضحاً كبيراً بين العام والخاص، حيث تجهز المدارس الخاصة بأحدث الأجهزة والمعدات والمخابر العلمية ، فضلاً عن استقطاب خيرة الكوادر التعليمية المتميزة والتي كانت سبباً في توجه الأهالي إليها رغم تكاليفها حسب قول من تحدثنا إليهم”.
كما تتوزع المدارس الخاصة في المدن الرئيسية المكتظة بالسكان كـ “مدينة إدلب، سرمدا، الدانا، ومعرة مصرين” وغيرهم، وتتميز بكوادرها التدريسية ذات الخبرة، واهتمامها باللغة الإنجليزية، و التركية أيضاً، وإدخال الحساب الذهني لطلاب المرحلة الابتدائية، وبعض المدارس توفر أجهزة حواسيب بالإضافة للأنشطة الترفيهية والرياضية المتنوعة.
هذه الميزات دفعت السيدة “أم حسين ” إلى نقل أوراق طفليها هذا العام من مدرسة عامة، إلى أحد المدراس الخاصة في مدينة سرمدا بعد تراجع مستواهم التعليمي العام الماضي كما أخبرتنا، وحصّلوا مستوى متدني من العلامات في صفوفهم الدراسية، ما جعل خيار المدرسة الخاصة أمراً ضرورياً لاستدراك تعليم أطفالها، حسب قولها، وكانت مديرية التربية والتعليم في المنطقة قد حددت يوم 30 من شهر أيلول الجاري موعد لافتتاح المدراس والتحاق الطلاب بها.
بالوقت الذي تعجز فيه عائلات كثر عن التوجه نحو التعليم الخاص كحال السيدة “هناء”، وهي أم لثلاثة أطفال في المرحلة الابتدائية مهجرة من ريف دمشق، تقيم في بلدة أطمة شمال إدلب، تقول في حديثها إلينا: “يصعب علينا تحمل تكاليف التعليم الخاص، ومصاريف المنزل، ولاسيما أن زوجها عامل بأجرة يومية لا تتعدى 75 ليرة تركية أي مايقارب 3 دولارات فقط، وهذا حال مئات آلاف العائلات في الشمال السوري، الذين بالكاد يستطيعون تأمين لقمة العيش والأعباء المعيشية الأخرى.
ويعد قطاع التعليم في الشمال السوري من أكثر القطاعات تأثراً في سنوات الحرب، وسبق أن خرج عدد كبير من المدارس عن الخدمة، بسبب القصف الذي طالها بشكل جزئي أو كلي، فيما بقيت المدارس العامة في المنطقة تعمل بشكل تطوعي، دون دعم باستثناء المرحلة الأولى، ما جعل عدد آخر من المدارس تغلق أبوابها لذات الأسباب،حيث تعرضت عدة مدارس في مدينة إدلب إلى الإغلاق بسبب إهمال قطاع التعليم العام من قبل حكومة الإنقاذ التي باتت عاجزة عن تحسين وضع المعلمين ودفع رواتبهم، ما جعل كثير منهم يتخلون عن المهنة لصالح مهن أخرى.