من أين يحصل المواطن السوري على المعلومة الصحيحة؟ سؤال يبدو للوهلة الأولى بسيطاً لكنه في الحقيقة سؤالٌ مُحير، لأن تعريف المواطن السوري قد تغير.
انقسم تعريف السوري اليوم إلى عدة أقسام، منها المتجانس، الذي يمكن أن ينقسم إلى مؤيد ورمادي والمعارض، وله عدة أنواع منها المعارض الشريف أو الخائن، داخل الوطن أو خارجه، إسلامي أو علماني.
بالعودة إلى السؤال الأول نجد أنه بات من المستحيل وجود وسيلة إعلامية قادرة على تقديم معلومة صحيحة للجميع، لأنه ببساطة تتشابه وسائل الإعلام والسورية خاصة، بكل شيء إلا الجمهور، فلكل صنف من المواطنين أصبح هناك إعلام منفصلٌ تماماً لا يهمه رأي الطرف الآخر، بل فقط كيفية التركيز على هذا الجمهور كي لا يفلت منه ويخطر له أن يستمع إلى جهة أخرى تبث رسائل مناقضة لتوجهاته.
كان الإعلام السوري محصوراً بالحكومة السورية وهو إعلام موجه، سياسياً على الأقل، له قوانينه المحفوظة عن ظهر قلب بالنسبة للعاملين فيه أو المتابعين له. هذا الإعلام استمر على تبعيته للقوانين المعروفة، وزاد عليها قوانين خاصة بالمرحلة الجديدة بعد ثورة 2011، وأصبح يخوض معركة النظام السوري بدل أن يتابع عمله كإعلام موجه لكل السوريين، ومع الأيام فقد بعضاً من جمهوره الذي انقسم بانقسام تعريف المواطن السوري ذاته.
مع استمرار الثورة، بدأت الحاجة إلى وسائل إعلام جديدة، تقدم معلومات بات الإعلام الرسمي يتجاهلها أو يكذبها أو يغير مسارها بشكل جذري تماماً، وبدأت تتشكل وسائل الإعلام البديل بدعم من بعض المنظمات غير الحكومية، أو رؤوس الأموال السورية، وبجهود الشباب السوري المؤمن بالثورة والمشارك فيها، بهدف إيصال الصوت الذي يحاول الإعلام السوري الرسمي إسكاته والتعتيم عليه وتكذيبه.
لكن للأسف وبعد سبع سنوات من تجربة الإعلام البديل أو الإعلام الشبابي أو إعلام الثورة – لن نختلف على التسميات- أسأل، أين الوسيلة الإعلامية التي يمكن العودة إليها واعتمادها مرجعاً ذو مصداقية لقراءة الحدث السوري وتحليله ودراسته.
أين الوسيلة الإعلامية القادرة على إجراء حوار صريح وحر وصادق، مع شخصيات فاعلة في الشأن السوري. الجواب ببساطة لا يوجد.
إذاً لا بد لنا إلى العودة بشكل سريع وعام جداً، إلى مصطلح ” الإعلام البديل” الذي يتم تداوله اليوم، للدلالة على إعلام الثورة أو المعارضة السورية، لنجد أن الحقيقة مغايرة تماماً لهذا المصطلح. لم ينشأ إعلام بديل بل كل ما في الأمر أن المنصات الإعلامية الناطقة باسم الثورة والمعارضة، لم تتحدث حقيقة باسم الشعب السوري وما يهم الشعب السوري، بل ساهمت في تفتيت المفتت وزيادة الخلافات.
وبينما تستمر وسائل إعلام النظام بجمع جمهورها وإيصال رسائلها، عجزت وسائل الإعلام البديل عن إيجاد جمهور أصلاً، وتنوعت رسائلها حسب مزاج ومصالح من يمولها.
ومع أننا استبشرنا خيراً في البداية، لأن وجود إعلام حر ومستقل يكون بديلاً عن إعلام النظام ووسائل الإعلام التقليدية الأخرى، كان أمراً ملحاً.
لكن للأسف تكاثرت المنصات الإعلامية البديلة، بسرعة عجيبة حتى وصلت إلى 600 منصة إعلامية، تتراوح بين المواقع الإخبارية والإذاعات المسموعة على موجة الإف إم أو عبر شبكة الإنترنت، إلى المحطات الفضائية التقليدية، كثرة هذه المنصات وعدم تواصلها مع بعضها البعض، أو حتى عدم دراية بعضها ببعض، ترك المجال مفتوحاً أمام التكرار أحياناً، وتضارب الأخبار أحياناً أخرى، إلى جانب إمكانية سيطرة ذهنية المشرف على العمل أو توجهاته أو ارتباطاته هو الآخر، مما يؤدي إلى توحيد لون الأخبار التي ينشرها والتي تروج لحالة دون أخرى.
إضافة إلى ازدياد الرغبة بالاستفادة قدر الإمكان من المنح المالية المقدمة لهذه المنصات، التي قد تكون مؤقتة قبل انقطاعها، فأصبح الهاجس تحقيق القدر الأكبر من الربح لعدد محدود من العاملين ونسيان الهدف الرئيس الذي من أجله أقيم هذا المشروع.
ومع استمرار بعض هذه المنصات وتوقف بعضها الآخر عن العمل، يبدو من الواضح أنها بالنتيجة لم تكن قادرة على خدمة القضية السورية ومطالب السوريين بالحرية والكرامة، بل بالعكس عكست صورة عن مدى تفرقهم وشدة خلافاتهم.
فمن اعتمد على التمويل الغربي- العلماني- كان يحاول الترويج لمجتمع منفتح يدافع عن قيم غربية لم تصل مجمعاتنا إلى مرحلة معرفتها إن لم نقل فهمها، فكانت تقابل بكثير من الاتهامات بالركض وراء الغرب والتماهي معه وتبني خطابات تعجبه وتثير تعاطفه، وعلى الضفة الأخرى كانت الوسائط ذات التمويل الخليجي- الإسلامي- بكل ألوانه، وكل لون يروج للون الذي يشبهه من فصائل عسكرية تقاتل على الأرض السورية.
تلك الفصائل التي بدأ تشكيلها بحجة الدفاع عن الشعب السوري ودفع القتل عنه وانتهى الأمر بها بالقتال مع بعضها البعض بغية الحصول على مساحات أكبر من المناطق المحررة التي تحولت فيما بعد إلى مستعمرات مغلقة، استفاد النظام من وضعها كمناطق خارجة عن سلطته وتحرر من واجباته تجاهها سواء من ناحية الخدمات أو الأمن معتبراً إياها حاضنة للإرهاب الذي يتغنى بمحاربته.
ومع مرور الوقت، انهارت كل الأحلام التي كانت معلقة على الإعلام البديل، وغاب صوت الشباب الحر المستقل، المنادي بأهداف الثورة من كرامة وحرية، حتى أن المستمعين الذين حاولوا متابعة ما يقدمه انفضوا عنه سريعاً. فهذه المنصات إما متشابهة حد التطابق من ناحية الأخبار، أو أنها مناطقية وموجهة لفئة محددة خاصة تلك الناطقة باسم الفصائل العسكرية.
بعد سبع سنوات لم تستطع المنصات الإعلامية المحسوبة على المعارضة الرسمية أو الناطقة باسم الثورة السورية أن تطور خطاباً إعلامياً مؤثراً قادراً على أن يحل محل الإعلام التقليدي، إعلام له أهداف وله جمهور واضح، يبحث عن إجابات لأسئلة كثيرة تدور في رأسه حول هذه الثورة وماهيتها، عن مدى جدواها وعن آفاق نجاحها، عن الدور المنوط بكل فرد من أفراد المجتمع السوري، وأعتقد أن من حاول بالأمس متابعة الأخبار على هذه المنصات أصبح اليوم حاله كحالنا عندما كنا نتابع وسائل إعلام النظام!
ويأتي منا من يسأل اليوم لماذا لم تتوضح صورة الثورة السورية حتى اليوم على صعيد العالم ، ولماذا تحول اسمها إلى حرب أهلية في وسائل الإعلام العالمية. ولماذا تعتبر كل عملية تهجير يمارس ضد أهالي المناطق المحاصرة (حمص، حلب، الغوطة، القلمون)، بعد تدمير المنطقة وقتل أهلها، انتصاراً للنظام على الإرهاب، ويصبح اسمها المناطق المحررة!
بالنتيجة لم يلعب الإعلام البديل دور البديل الحقيقي، بل أصبح عبئاً إضافياً على الثورة وعلى كل من يهمه متابعة أخبارها، فهو لا يقدم أي بديل عن أي إعلام آخر سواء كان إعلام النظام أو الإعلام الغربي أو العربي، والدليل على ذلك أننا ما زلنا نتابع كل وسائل الإعلام هذه للوصول إلى المعلومة الصحيحة، على الأقل كحدث بغض النظر عن التحليلات التي تتغير من مكان لآخر. لم يساهم الإعلام البديل في تشكيل مؤسسة حقيقية حرة، لها جمهورها وتوجهاتها الواضحة لتشكيل وعي جديد للمتلقي السوري، ببساطة لأنه فاقد للمصداقية من حيث كونه صوت الممول وليس صوت السوريين.
بالنتيجة لم يلعب الإعلام البديل دور البديل الحقيقي، بل أصبح عبئاً إضافياً على الثورة وعلى كل من يهمه متابعة أخبارها، فهو لا يقدم أي بديل عن أي إعلام آخر سواء كان إعلام النظام أو الإعلام الغربي أو العربي، والدليل على ذلك أننا ما زلنا نتابع كل وسائل الإعلام هذه للوصول إلى المعلومة الصحيحة، على الأقل كحدث بغض النظر عن التحليلات التي تتغير من مكان لآخر. لم يساهم الإعلام البديل في تشكيل مؤسسة حقيقية حرة، لها جمهورها وتوجهاتها الواضحة لتشكيل وعي جديد للمتلقي السوري، ببساطة لأنه فاقد للمصداقية من حيث كونه صوت الممول وليس صوت السوريين.
طبعاً إذا لم نتناول الجانب المهني الغائب عن هذا الإعلام، واعتماده على أشخاص ليس لديهم تجارب إعلامية سابقة، أو على إعلاميين سابقين لم يتوضح موقفهم من الثورة السورية بشكل صريح، فكان اصطفافهم مع الثورة موضع تشكيك، وكأنهم يريدون الآن نيل شرف المعارضة بعد أن استنفذوا مزايا السلطة، ومع ذلك يبدو أنهم قادرين على الحصول على تمويل أكبر من غيرهم أحياناً، وهذا ما حدَّ من مصداقيتهم.
إذاً هل نقول أن إعلام النظام نجح على الأقل في الحفاظ على جمهوره وإيصال رسائله؟ والجواب، نعم، بينما يخسر الإعلام البديل جمهوره، الذي كان في طور الولادة بالأساس، وتخسر الثورة صورتها، ويخسر بعض العاملين فيها حياتهم، سواء في مناطق النظام أو المحسوبة على المعارضة، من أجل فكرة كانت يوماً فكرة، نرجو ألا تكون وهماً يضيع منا جميعاً، قبل الوصول إلى اتفاق مخلص، ليس من أجلنا كأفراد، بل من أجل وطن كان لنا اسمه سوريا.