“عندما دخلت سوق العمل لأول مرة ظننت أن الأمر سيكون سهلاً بالنسبة لربة منزل ووالدة لثلاثة أطفال، ولكن الآن بات الأمر شائكاً وكل خطوة أقوم بها تحتاج إلى تفكير مسبق”.
بهذه الكلمات وصفت السيدة “فاطمة” ما تعانيه من صعوبات بشكل يومي ومحاولتها التوفيق بين عملها داخل المنزل وخارجه والضغوط الجمة التي تواجهها من المجتمع المحيط بها وخاصة الأهل والأقارب، ومحاولتهم إقناعها بالاستقالة من وظيفتها والعودة إلى تربية أطفالها ومنزلها وهو ما ترفضه فاطمة التي تصر على إكمال ما وصفتها بـ”مسيرتها المهنية الناجحة”.
“فاطمة”، سيدة ثلاثينية من سكان مدينة الرقة وتعمل في إحدى المنظمات الإغاثية العاملة في المنطقة، ذكرت أنها” باشرت عملها في قسم الإرشاد النفسي والمجتمعي بعد أن أنهت دراستها في علم الاجتماع بجامعة حلب قبل انطلاق الثورة السورية بسنة واحدة، ولم تستطع طوال السنوات الماضية الحصول على فرصة جيدة قبل الآن”، على حد تعبيرها.
وفي حديثها مع مراسل منصة SY24 قالت: “أخرج في الصباح وأعود قرابة الساعة الخامسة وفي بعض الاحيان اضطر للبقاء ساعات أطول داخل المكتب وبالذات في نهاية كل أسبوع، وهو أمر بات يشكل ضغطاً نفسياً كبيراً علي كون زوجي يعمل في إحدى المحلات التجارية ولا يعود قبل الساعة السابعة مساء، لذلك على ترك الأطفال عند والدتي لفترات طويلة وهو أمر مرهق لها كونها سيدة كبيرة بالعمر”.
وأضافت “لدي مهام عديدة داخل المنزل كالتنظيف والطبخ وتوفير الحاجيات الأساسية وتدريس الاطفال والبقاء معهم لفترات طويلة وغيرها من المهام الروتينية التي باتت عبئاً كبيراً علي، وخاصةً في ظل العادات والتقاليد التي يفرضها مجتمعنا علينا واستقبال الضيوف بشكل شبه يومي وغير ذلك”.
ظاهرة عمل النساء في مدينة الرقة زادت بشكل كبير بعد سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” على المدينة وخروج تنظيم داعش منها، بسبب القيود الكبيرة التي فرضها التنظيم على عمل النساء وحصر ذلك في بعض المهام التي كانت تشرف عليها “الحسبة النسائية” آنذاك مثل التعليم والتمريض وغير ذلك، الأمر الذي أثر بشكل كبير على حركة السوق المحلية وأيضاً على الحالة الاجتماعية في المدينة.
في الوقت الذي بات فيه المراة العاملة تشكل العمود الفقري للعمل التجاري والمهني والوظيفي في مدينة الرقة، وخاصةً بعد أن شغلت السيدات مناصب عالية في العديد من المؤسسات التابعة لـ”الإدارة الذاتية” والمنظمات الإغاثية والدولية العاملة في المنطقة، فيما استطاعت العديد من النساء امتلاك مشاريعهم الخاصة وتحقيق أرباح مادية في المدينة.
“أحمد العبدالله”، من سكان مدينة الرقة ذكر أنه طلب من زوجته ترك وظيفتها في معهد للتدريس بالمدينة بسبب ما وصفه بـ”عدم التزامها بالمهام الأساسية في المنزل وأهمها تدريس الأطفال والاعتناء بهم وغير ذلك من المهام المنوطة بها والتي لا يستطيع مساعدتها بها كونه يعمل لأكثر من 14 ساعة بشكل يومي في المحل التجاري الذي يملكه”.
وفي حديثه مع مراسل منصة SY24 قال: “لست ضد عمل المرأة والدليل على ذلك أني سمحت لزوجتي بالعمل لأكثر من سنتين، لكني طلبت منها ترك وظيفتها بعد أن أصبحت تؤثر بشكل كبير على حياتنا الزوجية من عدة نواحي وخاصةً كونها سيدة ملتزمة تحب عملها وتعطيه الوقت الكثير، وهو ما جعلني وأبنائي خارج حساباتها لوقت طويل قبل أن تستقيل وتتفرغ لواجباتها المنزلية”.
والجدير بالذكر أن السوق المحلي في مدينة الرقة بات يعتمد بشكل كبير على المرأة العاملة بعد تفوقها في العديد من المجالات المهنية والتربوية والتعليمية ومثابرتها في الحصول على المراتب العليا في العديد من المهن والحرف اليدوية والفكرية، في محاولة منها إثبات وجودها في سوق العمل بعد أن اضطرت لتركه عدة سنوات بسبب الضغوط التي مورست عليها من قبل تنظيم داعش.