بعد قطاف الزيتون من قبل أصحاب الأراضي، يأتي دور من لا أرض له ولا زيتون، فيرسل أولاده الصغار إلى الأشجار “ليعفروا” ويلتقطوا ما بقي من حبات الزيتون على الأشجار، أو ماوقع وبقي على الأرض، ويكون غنيمة الفقراء آخر الموسم، إذ يضعون مؤنتهم من الزيتون بعد عجزهم عن الشراء، ومنهم ما يبيعه بنصف الثمن.
في حقول ريف إدلب مثل هذه الأيام، ينتشر الصبية الصغار في نهاية موسم قطاف الزيتون في معظم الأراضي، منهم من يأخذ إذن صاحب الحقل، ومنهم من يذهب خلسة دون إخبار أحد كنوع من “السرقة المحللة” كما أطلقت عليها الطفلة “ريم” 10 أعوام، المقيمة في مخيمات كفر لوسين شمال إدلب، تقول لنا إن “عائلتها تخرج لقطاف الزيتون بالأجرة اليومية، منذ شهر تشرين وحتى نهاية القطاف، وتساعدهم خلال هذه المدة في العمل، بعد عودتها من المدرسة، وأحياناً كانت تتغيب كثيراً عن الصف بسبب القطاف، ومع نهاية الموسم تخرج مع إخوتها وأطفال جيرانها إلى الأراضي المجاورة لسكنهم، حيث يبدأون رحلة التعفير ويأخذون ثمن مايجمعون أجرة لهم، يشترون بها ما يريدون حسب قولها.
تعد “عفارة الزيتون” عادة شعبية قديمة تطلق على عملية التقاط حبات الزيتون المتبقية في الشجر، أو المتساقطة على الأرض، بعد انتهاء صاحب الحقل من حصاد موسمه، حيث يجمع الصبية الصغار ما استطاعوا جمعه، ثم يسرعون إلى السوق لبيع ما التقطوا من ثمار الزيتون المنسية سهواً بين الأغصان.
لا يفضل أصحاب الأراضي الزراعية عفارة الأطفال للزيتون فهي حسب قول “أبو سعيد” صاحب أرض في بلدة عقربات شمال إدلب، تلحق الضرر بالاشجار وتكسر الأغصان، خاصة أن الأطفال لا يدركون خطورة ذلك، وهمهم فقط التقاط الحبات ولوعلى حساب تكسير الأغصان مشيراً إلى أنه يبقى عدة أيام ينطر أرضه ويحرسها من الأطفال، غير أنه لايمانع من وجود الأهل مع الأطفال في حال أرادوا التعفير.
عادة ما تخرج النسوة والأطفال وبعض العائلات للعمل في “عفارة” الزيتون، بعد أخذ الأذن من صاحب الأرض، وذلك قبل أن يأتي مربو الأغنام لضمان الأرض والاستفادة منها، إذ يتسابق الرعيان في تعفير ما تبقى من الزيتون، لذا يحرص الأهالي على الخروج للعفارة باكراً قبل الجميع، من أجل الحصول على كمية وافرة حسب من تحدثنا إليهم من الأهالي.
غير أن عملية التعفير لا تخلُ من الخطورة الكبيرة ولاسيما في مناطق التماس القريبة من مناطق سيطرة النظام، كمناطق جبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي، حيث قضى عدد كبير من الأهالي بقصف طال الأراضي الزراعية أثناء القطاف، وقد سجلت الفترة الماضية عدة حالات لأشخاص قضوا تحت الصواريخ باستهدافهم أثناء عملية القطاف حسب ما تناولته منصتنا في تقارير سابقة.