تحرص “سميرة” 35 عاماً، مقيمة في مخيمات “تل الكرامة” شمال إدلب، أن توفر الدفء لأطفالها بشتى السبل، تارة بوضع قطع البيرين وهي “مخلفات الزيتون مصنعة كمواد تدفئة” مع قطعتي بلاستيك لزيادة احتراقها وسرعة تشغليها، وتارة بوضع الأحذية القديمة وقصاصات الملابس المهترئة داخل المدفأة، كوسائل بديلة عن مواد التدفئة، إلا أن الدخان المنبعث منها، يحمل سموماً أكثر من الدفء، وتسبب بإصابة أطفالها الأربعة بأمراض الزكام والتهاب القصبات والبلعوم، والسعال الحاد.
أمضت “سميرة” ثلاثة أيام متتالية في المشفى، إثر إصابة أطفالها بالأمراض الجهاز التنفسي، وحسب ما أكده الطبيب المشرف على حالتهم، أن سبب المرض تحسسي جرثومي، جراء استنشاقهم الغازات السامة المنبعثة من المواد المحترقة مثل البلاستك والنايلون والأحذية، وكلها ذات تأثير خطير على الأنسان والبيئة معاً.
تلجأ عائلات كثيرة في فصل الشتاء شمال غربي سوريا، للاعتماد على وسائل بدائية وخطيرة في التدفئة، لتعذر حصولهم على المحروقات المناسبة، ولاسيما قاطني المخيمات، رغم مخاطر هذه الوسائل البديلة، تقول “سميرة” لا يمكن البقاء دون دفء في أيام الشتاء الباردة، رغم مخاطرها، إلا أننا مجبرين على تحمل الدخان السام بدل من البرد القارس، كحال آلاف العائلات اليوم في إدلب.
وفي ذات السياق حذر الطبيب “زهير فجر” أخصائي أمراض صدرية في مدينة إدلب، من تأثير الغازات المنبعثة من المخلفات والمواد البلاستيكية المستخدمة في المدافئ، خصوصاً مرضى الربو والتحسس القصبي، إذ تزيد من الهجمات الربوية الحادة، والتهابات البلعوم والسعال التحسسي المتكرر، إضافة إلى أنها تسبب تسمم مباشر بالغازات الناتجة عنها قد تودي بحياة الإنسان.
وأشار في حديثه إلينا أن “حالات مرضى الجهاز التنفسي والربو تزداد بشكل ملحوظ في الشتاء، رغم كل التحذيرات التي يوصي بها الأطباء بعدم اعتماد الأهالي على تلك المواد لخطرها الشديد على صحتهم، جراء استنشاق الغازات السامة والأبخرة المنبعثة خلال عملية الاحتراق، موضحاً أن معظم حالات المرضى هي بسبب استنشاق تلك الغازات”.
تداوي” سميرة” سعال أطفالها الحاد، بكأس من الزعتر البري، والأعشاب، لعجزها عن شراء الأدوية من الصيدلية، تقول” دخلت لشراء الوصفة الطبية، وتفاجأت بثمنها الذي لا أملك نصفه، حيث وصف لها الطبيب مضاد حيوي، ودواء للسعال وخافض حرارة، يصل ثمنهم إلى 150 ليرة تركي” فاستغنت عن وصفة الأدوية بشراء الأعشاب، ومشت وهي تفكر كيف يمكنها أن تقضي باقي الشتاء على هذه الحال، فهي غير قادرة على تأمين الحطب أو المازوت للتدفئة، والتخلي عن المواد البديلة الخطيرة، وبنفس الوقت لايمكنها تحمل برد الشتاء.
وكانت منصة SY24 قد رصدت أسعار مواد التدفئة في الأسواق، فقد وصل سعر طن البندق نوع الأول 168 بينما وصل سعر طن قشر الفستق نوع أول أيضاً إلى 228 دولار، وتراوح سعر طن البيرين حسب جودته ودرجة جفافه ما بين 145 _170 دولار، بينما بلغ سعر برميل المازوت من النوعية المتوسطة قرابة 160 دولار، وتحتاج الأسرة بشكل وسطي إلى برميلين للتدفئة كامل الشتاء أي ما يعادل 320 دولار وهذا ما يعجز عنه أغلب الأهالي في المنطقة.
وفي ذات السياق أصدر فريق “منسقو استجابة سوريا” مؤخراً بياناً يحذر من الوضع الكارثي لكثير من العائلات في الشمال السوري، تزامناً مع دخول فصل الشتاء، وذكر أن 94 بالمئة من العائلات شمال غرب سوريا غير قادرة على تأمين مواد التدفئة هذا العام، كما أن 79 بالمئة من النازحين لم يحصلوا العام الماضي على إمدادات التدفئة وتحديداً ضمن المخيمات.
وقال البيان: إن “67 بالمئة من العائلات في شمال غرب سوريا تسعى إلى تخفيض الاحتياجات الأساسية وخاصةً الغذاء في محاولة يائسة للحصول على التدفئة، مؤكداً أن أسعارها ارتفعت مقارنة بالعام الماضي بنسبة 120 بالمئة كنسبة وسطية لمواد التدفئة المختلفة”.
يذكر أنه في كل عام يفتح فصل الشتاء معاناة متجددة لمئات الآلاف من المدنيين في محافظة إدلب وريفها، ومناطق المخيمات التي تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة، بالوقت الذي يسكن في المنطقة حوالي أربعة ملايين شخص، نصفهم يقطنون في المخيمات.