تراقب” أم أسامة” ساعتها باستمرار حين تقترب من الخامسة مساءً، فهي تنتظر فتح رابط مشفى المحافظة في مدينة إدلب في هذا الوقت لتسجيل دور لها في عيادتها الداخلية المجانية عند طبيب العظمية.
“أم أسامة” 57 عاماً، أم لسبعة أولاد، تقيم في جبل الزاوية جنوبي إدلب، تعاني من عدة أمراض مزمنة السكري والضغط وألم المفاصل، تتردد إلى المشفى بين الحين والآخر، بعد أن تسجل دوراً في إحدى عيادات المشفى، تخبرنا عن طريقة التسجيل، فتقول: “أدخل بياناتي عبر الرابط الذي خصصه المشفى لهذا العرض فهو يفتح عدة دقائق ويقفل عند إكمال عدد المرضى المحدد لكل قسم، ولا يمكنني التسجيل دائماً فالوقت قصير جداً”.
يعاني سكان الشمال السوري من سوء الأوضاع الاقتصادية وغلاء متزايد في جميع المواد الاستهلاكية، أيضاً ارتفاع أجرة معاينة الأطباء الاختصاصيين وأسعار الأدوية، جميع هذه الأسباب دفعت المرضى أصحاب الدخل المحدود إلى زيارة المشافي العامة للمعاينة المجانية في العيادات التي تحتوي مختلف الاختصاصات، إضافة إلى توفير أغلب التحاليل الطبية والتصوير الشعاعي.
تعيش “أم أسامة” ظروفاً معيشية صعبة بعد أن توفي زوجها وسكنت مع ابنها، الذي يعمل في مغسلة سيارات كعامل مياومة لتأمين مصروف أطفاله الخمسة.
وجدت أم أسامة في عيادات المشفى حلاً معقولاً للتخلص من ألمها فهي غير قادرة على دفع مبالغ كبيرة، مثل كشفية طبيب والتحاليل في المخابر الخاصة، فتقول: “في كل مرة أزور بها الطبيب يطلب عدة تحاليل بالإضافة إلى صورة لقدمي، فأحلل وأصور في المشفى مجاناً”.
وحسب تسعيرة المعاينة التي صدرت من نقابة الأطباء في إدلب في الفترة الأخيرة، فقد حُدد تشخيص المريض لدى الطبيب العام بسعر 4 دولارات أمريكية، ولدى الطبيب العام بخبرة لا تقل عن 10 سنوات بـ 5 دولارات، ولدى طبيب مختص بـ 7 دولارات، كما تم تحديد تسعيرة زيارة الطبيب لمنزل المريض داخل البلد بـ 15 دولار.
يضطر بعض المرضى إلى زيارة أطباء داخل عياداتهم الخاصة بسبب عدم تعاقدهم مع مشافي عامة، رغم صعوبة تأمين أجرة المعاينة، “أبو فارس” 73 عاماً، يقيم في جبل الزاوية، يذهب مع زوجته المصابة بمرض جلدي أصيبت به بسبب حزنها الشديد على وفاة ابنها المعتقل في سجون النظام.
تتعالج زوجته منذ أربع سنوات لدى طبيبة جلدية في إدلب، وتحدد موعد لزيارتها كل شهر أو اثنين لتراقب مراحل المرض، يحدثنا عن تكاليف آخر زيارة لها بعد أن باع ربع تنكة من زيت الزيتون ليأمن التكاليف، فيقول: “أخذت معاينة 150 ليرة تركية، وطلبت مني عدة تحاليل 370 ليرة، وغيرت بعض أصناف الأدوية 655 ليرة، هذا عدا عن مصروف المواصلات وعناء السفر”.
يتأسف “أبو فارس” على هذه المبالغ التي يدفعها في كل زيارة فهي لا تعالج مرض زوجته المزمن ولا تمحي تشوه جسدها، ولكنه لا يتحمل رؤيتها تتألم “في كل زيارة تجدد الدواء وتغير بعضه وتطلب تحاليل جديدة وكل هذا بدون فائدة فمرضها لا يستجيب للعلاج أبداً”، حسب كلام “أبو فارس”.
أصبحت تسعيرة المعاينة داخل العيادات والمشافي الخاصة تفوق قدرة معظم السكان في الشمال السوري، في ظل استمرار تدهور الأوضاع المعيشية، ويقابل ذلك الضعف الكبير في دعم القطاع الطبي والمشافي المجانية من قبل حكومة الإنقاذ التي تهمين على المنطقة ومؤسساتها.