في هذه الأوقات تتزين الأراضي في ريف إدلب بالأعشاب والحشائش البرية، مستغلة الدفء المؤقت بين المنخفضات الجوية مع اقتراب الربيع، فتنمو أنواعاً مختلفة من النباتات التي تحظى بإقبال شعبي سواء لاستخدامها في الطبخ كوجبات خفيفة، أو لفوائدها الطبية، إذ تعد طبيعة تربة الريف الخصبة في إدلب، بيئة مناسبة لنمو أنواع كثيرة من النباتات تعرف باسم بالحويش أكثرها شهرة مثل الخبيزة والسلبين.
وتعد هذه الأعشاب النامية باختلاف أنواعها، بالنسبة للأهالي في ريف إدلب، ثروة موسمية يستغلون الأيام المشمسة والدافئة للعثور عليها وقطفها من الأراضي، إذ تصنع الأمهات وجبات صحية لذيذة الطعم، تخبرنا السيدة الخمسينية “أم عمار” أنها ماهرة في طهي الخبيز والخرفيش وأنواع أخرى، من النباتات التي تجود بها الأراضي البرية في مخيم بمنطقة “باريشا” مكان إقامتها الحالي شمال إدلب.
نزحت السيدة من مدينة “كفرنبل” قبل خمسة أعوام، واستقرت في مخيمات الشمال السوري مع مئات آلاف العوائل النازحة، تقول: إن “هذه الأمور البسيطة تذكرها في أرضها ومنزلها قبل النزوح، لذا فإن وجبة الحشائش اليوم لها ذكريات كثيرة”، حيث كانت تجتمع مع نساء الحي للذهاب باكراً إلى الأراضي وجمع النباتات التي تشتهر بها المنطقة ثم تحضير وجبات غداء شهية مفضلة لجميع أفراد عائلتها ومنها ما يدخل في السلطات.
تعدد “أم عمار” أسماءً غريبة للأعشاب، منها نبات الدردار و الهندباء والخبيزة والخرفاش والشنيطرة والشرينيكة وغيرها من الأعشاب التي تكثر عند أطراف الأراضي المزروعة، وهي سهلة القطاف ومتاحة للجميع حسب قولها.
وتدخل بعض الأعشاب البرية في علاج كثير من الأمراض، ويتم جمعها وبيعها لمحلات العطارة في المنطقة، وتعد مصدر رزق موسمي لعدد من العوائل، يخبرنا أهالي تحدثنا إليهم: إن “الطبيعة تجود عليهم بأنواع النباتات منها ما يؤكل، ومنها ما يستخدم للعلاج الطبي مثل البابونج، القبار، الميرمية، وغيرها، فضلاً عن أنواع أخرى تبدأ بالظهور من كانون الثاني وتستمر إلى أيام الربيع”.
وفي هذه الفترة تحرص بعض النسوة في المخيمات القريبة من الأراضي الحراجية، استغلال موسم النباتات البرية كمصدر رزق لهن، ولاسيما نبات الخبيزة، التي تكثر في الأراضي البرية، وتفضلها عائلات كثيرة في المدن غير قادرة على جمعها من الحقول، إنما تشتريها من الأسواق، حيث تُجمع كميات وافرة من الحويش وتباع في المدن للتجار وأصحاب محلات بيع الخضار، مقابل مبلغ مالي بسيط، لكنه قد يكون جيد بالنسبة لهن.
كما يكثر في هذه الأيام موسم أزهار النرجس الجميلة، التي تغزو الجبال والحقول البرية، حيث يتم قطفها من قبل الأهالي والصبية الصغار، ثم جمعها على هيئة حزم صغيرة وبيعها في المدن أو قد يتولى تلك المهمة عدد من الأطفال يقفون على قارعة الطرقات العامة، لعرض الأزهار البرية للبيع، إذ يصل سعر حزمة النرجس إلى 20 ليرة تركية.
عائلات كثر، تعد هذه الفترة الموسمية قبل قدوم الربيع، مناسبة للبحث عن وجبات مجانية لطهيها أو فرصة عمل مؤقتة تسد شيئاً بسيطاً من احتياجاتهم، مثل تأمين ثمن الخبز ووجبة طعام بسيطة، حسب قول من تحدثنا إليهم من الأهالي.