“لكي لا أكون عبئاً على أحد” بهذه الكلمات اختصرت الشابة الكفيفة “لانا جبارة” البالغة من العمر 18 عاماً، والتي تقيم في مدينة إدلب معاناتها من نظرة المجتمع لها، إذ تستعد لامتحان الشهادة الثانوية هذا العام، بالإضافة إلى قيامها بصناعة سلال القش لتأمين مصروفها الشخصي.
وفقاً للجمعية العامة للمكفوفين في إدلب، يعيش في الشمال السوري أكثر من 3015 كفيفاً بأعمار متفاوتة، في ظل غياب الدعم الكافي لتقديم الخدمات التعليمية والتنموية والثقافية.
ولدت “لانا” وهي مصابة بمرض (الرأرأة) في العين، أجرت أول عملية جراحية وهي في عمر السنتين لإزالة الورم داخل عينها اليمنى وفقدت رؤيتها في تلك العين على أثرها، ثم كررت ذات العملية لعينها اليسرى وهي في عمر السادسة، لتفقد بصرها بعد ذلك بشكل كامل.
درست “لانا” مع عشرات المكفوفين في مدرسة “قلوب مبصرة” التي أسست في مدينة إدلب عام 2019، وتعلمت لغة “بريل” بإشراف أحد المعلمين المكفوفين في المدرسة، ثم حصلت على شهادة التاسع بتقرير جيد، وتحضر هذا العام لامتحان الشهادة الثانوية، وتشرح كيفية دراستها للمنهج التعليمي، قائلة: “أحفظ ما أسمعه من تسجيلات صوتية عبر الهاتف لكافة الكتب المقررة، ثم ألخصها في دفتري بلغة بريل”.
تعتبر لغة “بريل” هي أول طريقة أضاءت العتمة للمكفوفين، ومنحتهم فرصة ليمارسوا حقهم بالقراءة والكتابة، والانطلاق في رحلتهم الأولى نحو العلم.
يحاول المكفوفون من خلال أعمالهم المهنية ومتابعة دراستهم أن يبرهنوا للعالم بأنهم قادرون على أن يكونوا أعضاء فاعلين في المجتمع، وهذا ما تسعى إليه “لانا” في تحقيق حلمها وحصولها على شهادة جامعية “يمكنني العمل بشهادتي وهذا ما يدفعني بقوة لأتمكن من الحصول عليها، وأصبح عضواً نافعاً في المجتمع رغم إعاقتي”، حسب ما قالت “لانا”.
تقوم بعض المنظمات الإنسانية في الشمال السوري بعدة نشاطات تستهدف ذوي الاحتياجات الخاصة ومنها المكفوفين.
التحقت “لانا” بعدة تدريبات منها الثقافية والمهنية والرياضية، وتعلمت صناعة سلال القش، لتستطيع أن تأمن مصروفها الشخصي من خلال هذه المهنة قائلة: “تعلمت صناعة السلال عن طريق حاسة اللمس، أرسم شكلها في مخيلتي ثم أقوم بصنعها، فمن خلال عملي بهذه المهنة أستطيع أن أصبح عضواً منتجاً في المجتمع”.
تقوم المنظمات على توظيف أشخاص مكفوفين لإقامة تدريبات خاصة بتلك الإعاقة، “باسل” البالغ من العمر 31 عاماً، شاب كفيف وأبٌ لثلاثة أطفال، يقيم في قرية كفرجالس شمالي إدلب، ويعمل على تدريب عشرات المكفوفين بأعمار مختلفة، يعلمهم كيفية استخدام الهاتف المحمول عن طريق برنامج يقرأ ما تلمسه الأصبع على الشاشة، ويشرح أهمية هذا التدريب قائلاً: “أصبحت الهواتف شيئاً أساسياً في حياتنا العملية، حيث يمكن للكفيف متابعة دراسته من خلال استخدامه للهاتف، بالإضافة إلى تطوير علاقاته الاجتماعية من خلال تواصله المستمر مع أصدقائه وأقاربه”.
يظهر بصيص الأمل في نفوس المكفوفين، وذلك من خلال انضمامهم للعديد من الأنشطة والإنجازات، مع رفضهم المستمر لنظرة المجتمع التي تقيدهم، وتصنع فجوة كبيرة بينهم وبين الأشخاص المبصرين، محاولين نقل أنفسهم من الفئة المستهلكة إلى المنتجة.