أكثر ما يصدم أن القتل أصبح فناً وهوايات، بلا سبب، بلا مقابل، بلا نتائج إلا أنهار الدم التي سالت حتى الركب، هو موتٌ بالمجان، للسوريين، لكل السوريين، فرقّهم الرعاع تحت مسميات غبية، وفرزوهم كما محارق هتلر النازية، ليقدموهم كوجبات يومية للموت، ولا شيء إلا الموت.
أيها السوريون؛ لا تصدقوا أن النار تبقى ملتهبةً ما لم نزودها بالوقود، لها نهاية حتماً، ولا أحد يشكّ في أننا جميعاً بلا استثناء قرابينها ووقودها، كما جهنم التي وقودها الناس والحجارة، 7 سنوات كافية أيها العالم؛ استمرت الحرب العالمية الثانية 6 سنوات فقط دفنت معها 50 مليون قتيلاً أزيحوا من الوجود، لماذا لم نتعلم، لماذا نغرق في أخطائنا من مهدنا إلى لحدنا حتى الآن، بل وتستفحل فينا حتى الشرايين وأصبحنا عرايا بقيحٍ يتفجّر.
رسالتي لك أيها السوري المدني، وأخص المدني على وجه التحديد، لأن من يرابط على أرواحنا لو كان يقرأ ما نكتب كلنا لما وصلنا لما نحن فيه اليوم، رسالتي لكل سوري “مسيحي أو مسلم، يزيدي أو كردي أو علماني أو متدين”، لا تصدق أن الروسي سيحميك لأنك مؤيد للنظام السوري، ولا تصدق أن التركي يحميك لأنك معارض، ولا تصدق أن الأمريكي سيحميك لأنك ديموقراطي، ولا تصدق أن أوروبا ستحميك لأنك مسيحي، أو السعودية لأنك مسلم، كن على يقينٍ مطلق أن لا أحد سيشفع لك إلا جارك السوري، هو أعلم بحالك، يذوق القهر لكن على الضفة الأخرى وهنا لا تختلف إلا هوية الظالم.
أيها السوري، حتى ولو لم تكن مسلحاً، فأحياناً يكون لسانك أخطر من الرصاص المسكوب في النار، أرجوك لا تكتب على الواتس أب في غرفة مزدحمة، “اقتلوا فيهم الأطفال قبل الرجال” وتهيّج سرطان القتل الذي أصاب أرواحنا، فقط لأنهم مختلفون معك بالرأي؛ أو تعلّق على خبرٍ كاذب من حميميم عندما تدّعي أنها قتلت عشرات المسلحين من جبهة النصرة، وتبارك لها غاراتها على أطفالنا، فقط لأننا كنّا ضد نظامٍ مجرم مستبدٍ قتّل من أقربائك وإخوانك بقدر ما قتّل منا ومن أطفالنا، فأنت تبارك لها غاراتها المزعومة على “جبهة النصرة” التي نحن ضدها بالأساس قبل أن يدسّها النظام السوري في ثورتنا الهادفة لدولة ديمقراطية تصون حقوقك قبل حقوقنا.
الأجنبي لن يغيثك، ولن يشفع لك، هل تعرف ما المصيبة يا عزيزي السوري، المصيبة هو كيف تصدق أن سوريّاً يقاتل جنب إيراني لأنه شيعي، وسوريّاً آخر يقاتل جنب شيشاني لأنه سني، وسوريّاً يقاتل جنب فرنسي لأنه كردي، لا شك أن النظام هو اللاعب الأكبر في تحويل الصراع لحرب أهلية، تأكل شبابها.
لم ينم بشار الأسد قلقاً إن متّ، ولم ينم الجولاني بلا عشاء إن مت أيها المنتسب في صفوفه، ولم ينم بوتين غاضباً إن فقد طائرة في سوريا، أو مات ألف مؤيد للنظام، فالذي يقطف من الشجر لا يهمه كم من الأغصان يقصّفها أثناء حصاده، لا يعلم كم عطش هذا الشجر، وأكله الدود في أصقاع الأرض منسياً بلا ماء، بلا سماد، بلا حياة، الذي يهمه هو مشروعه فقط، ولا شك في ذلك، 7 سنوات أثبتت ذلك.
أخيراً أيها السوري، أينما كنت، وتحت أي راية وعلم، وتحت أي دين ومذهب وطائفة، جرّب مرةً أن تتجرد من كل شيء، من التطرف ومن شهوة القتل، ومن التشفي بجثث الآخرين، ومن تقديس الشعارات التي تغلّفت بها دون أن تعلم، جرّب أن تعود سورياً فقط، فما أسهل إيقاف الحرب على الأرض، وما أصعب التخلص منها لأنها وبلا شك “الحرب لوثّت أرواحنا”.. لكن حاول.. وستنجح صدقني.