بقي حلم متابعة التعليم يراود السيدة “أم حسين” 37 عاماً، مقيمة في مخيمات الشمال السوري عقب نزوحها مع أولادها الأربعة من ريف إدلب الجنوبي منذ سنوات بعد سيطرة النظام السوري والميليشيات الحليفة له على المنطقة، وخسارة منزلهم وأرضهم ومصدر رزقهم هناك، والبدء بمرحلة جديدة في أرض النزوح قرب الحدود التركية شمالاً.
تقول “أم حسين” التي أصبحت المعيلة الوحيدة لأولادها بعد وفاة زوجها في معتقلات النظام: إن “حياتها تغيرت بشكل كلي بعد اعتقال زوجها منذ بداية الثورة 2011، حيث تحملت مسؤولية تربية وتعليم أربعة أولاد وكانت المهمة التي ألقيت على عاتقها كبيرة كونها لا تملك شهادة علمية تؤهلها للعمل لذا فكرت جدياً بالعودة للدراسة في أول فرصة تتاح لها”.
التحقت سيدة للعمل في مدارس “إرادتي” في بلدة أطمة مكان سكنها الحالي، وسجلت أولادها فيها لمتابعة تعليمهم، وتميزوا داخل المدرسة بتفوقهم العلمي وحسن سلوكهم، حسب قولها.
وجود “أم حسين” في جو المدرسة و فرحها بتفوق أولادها جعلها تفكر جدياً بتقديم الشهادة الإعدادية والعودة إلى الدراسة بعد انقطاع أكثر من عشرين عاماً عن التعليم منذ منذ كانت في الصف الثامن.
تقول إنها “كانت تنافس أولادها في الدراسة خاصة أن أحدهم درس معها الصف التاسع وشجعها أيضاً دراسة ابنتها للمرحلة الثانوية، وقدموا معاً العام الماضي ونجحوا جميعهم ونالوا درجات عالية”.
تسعى اليوم “أم حسين” لتحقيق حلم الطفولة في متابعة تعليمها، إذ تحضر هذا العام لنيل شهادة الثانوية، وكلها أمل بحصولها على مجموع جيد يؤهلها إلى دخول الجامعة.
بظروف مشابهة لحالة “أم حسين” تمكنت السيدة الأربعينية “حياة عليوي” مهجرة من مدينة حماه، مقيمة في الشمال السوري، أم لخمسة أولاد، من العودة إلى الدراسة بعد انقطاع ثلاثين عاماً تقول في حديثها إلينا إن مشروع التعليم مشروع مؤجل منذ سنوات، حيث فضلت السيدة الوقوف مع أولادها وتعليمهم ومساعدتهم لنيل شهاداتهم الدراسية ثم العودة إلى تحقيق حلمها.
تقول إن فرحتها بتفوق أولادها اليوم ووجودهم في الجامعات هو نجاح لها، وفرحة لا تعادلها فرحة، سوى التفوق نفسه، لذا تفرغت لنفسها بعد أن أمّنت على أولادها تخبرنا أنها فخورة بهم فابنتها اليوم تدرس في كلية الطب البشري، وابنها يتابع ماجستير رياضيات والآخر طب أسنان.
سطّرت السيدة “حياة” في عمر متقدم قصة نجاح متميزة رغم ظروف الحرب والنزوح والتهجير التي عاشتها، وتمكنت بإصرار وتحدٍ كبيرين من تحقيق حلمها رغم مرور سنوات على انقطاعها عن التعليم.
“حياة” و “أم حسين” من النساء السوريات اللواتي أثبتن قدرتهنّ على النجاح والإبداع وتحدي الظروف السيئة التي واجهتهن خلاله سنوات الحرب الماضية، إذ لم يركنّ إلى ظروفهنّ القاسية بل جعلنّ منها دافع للبدء من جديد وتحقيق النجاح في أي مجال كان.