استفاد تنظيم داعش منذ ظهوره في سوريا عام 2013 من حالة الفوضى والصراع المسلح في المنطقة، إضافة إلى قمع النظام السوري للمتظاهرين ضده، واستطاع أن يسيطر على مناطق واسعة في شمال وشرق البلاد، وأعلن عن إقامة ما أسماها “الخلافة الإسلامية”، وبدأ بفرض نظامه الشمولي والوحشي على السكان المحليين، مستنداً إلى مزاعم وادعاءات وتأويلات متشددة.
انتهاكات مروعة بحق النساء
وتعد النساء من أكثر الفئات تضرراً واستهدافاً من قبل تنظيم داعش، حيث تعرضن لأنواع متعددة ومروعة من الانتهاكات والجرائم، بدءاً من القتل والتعذيب والاعتقال والاختفاء القسري، وانتهاءً بالاغتصاب والاستعباد الجنسي والزواج القسري والتجارة بالبشر.
وقد تحدثت السيدة الإيزيدية “كوفان عيدو خورتو” التي تم تحريرها من قبضة خلايا داعش في مخيم الهول بعملية أمنية للتحالف الدولي وقسد، والتي ذكرت في مقطع فيديو مصور، إنها تعرضت لانتهاكات غير مسبوقة حين تم استعبادها من قبل خلية تتبع لداعش.
وقالت السيدة في مقطع فيديو نشرته وكالات محلية إنها كانت تقيم مع عائلة قبل نقلها إلى المخيم، حيث طُلب منها عدم الكشف عن هويتها أو القول إنها إيزيدية، وأكدت أنها استخدمت اسمًا مستعارا أثناء إقامتها في مخيم الهول، إلى أن جرى تحريرها.
وأضافت “خورتو” أيضا “لقد دمروا حياتي، فقد جرى بيعي وشرائي مثل شاة”، مضيفة أنها في وقت ما كانت مع 6 نساء أخريات في منزل رجل كبير بالسن يُدعى “أبو جعفر”، مؤكدة أنه كان يضربها بشدة إذا رفضت الاستجابة لرغباته، في حين أن النساء اللاتي قاومن الاغتصاب كن يُقتلن”.
وحسب مصادر متطابقة، فقد سبق تحرير العشرات من الفتيات والنساء الإيزيديات في المخيم، إذ أن هؤلاء النسوة كن يخشين الإفصاح عن هوياتهن، خوفا من الداعشيات اللواتي يتواجدن معهن، أو بسبب ترددهن في الكشف عن حقيقتهن، باعتبار أن عائلاتهن قد ترفض رجوعهن بعد أن تعرضن للاغتصاب بالإضافة إلى إنجاب أطفال من عناصر داعش الذين اعتدوا عليهن.
قتل وإخفاء قسري وتشريد
وشهدت الفترة ما بين 2013 و2022، سقوط عدد كبير من النساء ضحايا الانتهاكات والجرائم التي ارتكبها التنظيم في سوريا، حيث وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل 981 سيدة على يد تنظيم داعش أو بسببه، ومقتل 14 سيدة بسبب التعذيب، و24 سيدة عبر الإعدام من خلال إجراءات تعسفية، و10 سيدات قضين بسبب نقص الغذاء والدواء نتيجة الحصار الذي فرضه تنظيم داعش على مناطقهن، إضافة إلى تعرّض 2451 سيدة للعنف الجنسي، في حين لا تزال 255 سيدة قيد الاختفاء القسري لدى التنظيم منذ الإعلان عن تأسيسه 2013.
وارتكب تنظيم داعش حوادث قتل طالت الكوادر الإعلامية، والكوادر المجتمعية والتعليمية، والكوادر الطبية، والإغاثية والإنسانية، إضافة إلى الضحايا من أصحاب الجنسيات غير السورية، وكانت النساء حاضرة بين جميع الضحايا الذين سقطوا قتلى على يد داعش. وكانت النساء أيضا من بين الأعداد الكبيرة من الضحايا الذين اختفوا بشكل قسري على يد تنظيم داعش، وخاصة من الكوادر المذكورة سابقا.
واستخدم تنظيم داعش أساليب وحشية ومهينة في قتل النساء، مثل الرجم والحرق والصلب والقطع والرمي من أعلى المباني والإعدام بالرصاص أو السكين، وقد نشر التنظيم صوراً وفيديوهات لبعض عمليات القتل التي نفذها، بهدف نشر الرعب والخوف بين النساء على وجه الخصوص.
شهادة من الرقة
عمر الصران، من إدارة منتدى أقلام رقّيّة في مدينة الرقة، قال لمنصة SY24، إن “الانتهاكات التي فرضها التنظيم هي امتهان كرامة وحرية المرأة من سبي واغتصاب تحت مسمى (ملك اليمين)، وفرض ما يسمى من قبل داعش (باللباس الشرعي من نقاب ودرع)”.
وأضاف “طبعا كانت (الحسبة) تطوف بالشوارع وتبحث عن المخالفات لقوانين داعش، وأي مخالفة كانت تستوجب جلد ولي الأمر وفرض الغرامة المالية”.
وتابع أن “تنظيم داعش شجّع أيضا على زواج القاصرات، وهذا أصبح الوضع العام في مناطق سيطرته، حيث تجد عنصراً من داعش يبلغ من العمر 60 أو 70 عاماً يتزوج من طفلة عمرها لا يتجاوز 12 عاماً”.
ولفت إلى أن “المرأة كانت تُعامل من قبل داعش كدرجة ثانية وثالثة، وبعض الأحيان لم تكن تعامل كإنسان، وعند بداية وصول التنظيم كان يضيق على تعليم الإناث ويطالب باللباس الشرعي، ثم ذهب الى أبعد من ذلك وطالب بمعاهد خاصة بالإناث، ولم يلبث أن منع تعليم الإناث ومنع سفرهن لإكمال الدراسة أو تقديم الامتحانات خارج مناطق سيطرته، وقد حصر تعليم الإناث فقط ضمن حدود دوراته الشرعية بحجة أن باقي العلوم دنيوية وكفرية”.
ومن جانب الصحة، فالكل يعلم أن تنظيم داعش منع الأطباء المختصين بالأمراض النسائية من مزاولة عملهم واقتصر الأمر على القابلات وبعض النسوة ذوات الخبرة، وفق المصدر ذاته، الذي أفاد أنه لا يمكن لأي امرأة أن تعمل في مكان مختلط بحجة أن الاختلاط محرم.
وأكد الصران أن ممارسات داعش تركت آثار عديدة وأهمها على القاصرات اللواتي زُوجن لمقاتلي داعش، وهنّ اليوم أرامل يتحملن مسؤوليات كبيرة وما زلن في مقتبل العمر، وهذا الأمر يسبب حتماً شعوراً بالضياع وعدم تقبل الواقع وعدم القدرة على الاندماج، بالإضافة إلى أن سياسة التجهيل التي اتبعها داعش ضد النساء، وسياسة غرس أيديولوجياته في عقول هؤلاء الفتيات له نتائج كارثية.
اغتصاب واستعباد جنسي
يُعد الاغتصاب والاستعباد الجنسي من أبشع أنواع الانتهاكات التي مارسها تنظيم داعش ضد النساء في المناطق التي دخلها وسيطر عليها، خاصة النساء من الأقليات الدينية والعرقية، مثل الإيزيديات والكرديات. فقد اختطف التنظيم آلاف النساء والفتيات من مناطقهن ونقلهن إلى أماكن مجهولة وباعهن في الأسواق واستغلهن جنسياً بطرق وحشية ومهينة، وأجبرهن على الحمل والولادة، وحُرمن من أبسط حقوقهن.
وحسب تقارير حقوقية دولية، فإن الكثير من النساء اللواتي اختطفهن داعش في العراق تم تهريبهن إلى سوريا، مبينة أن كثيراً من هؤلاء النسوة تم استعبادهن أو بيعهن للزواج كغنائم حرب، أو اتخاذهن كجواري من قبل عناصر داعش.
وفي العام 2014، نشر داعش في بيان أنه يعيد إحياء عادة قديمة تتمثل في استعباد الأعداء وإجبار النساء على أن يصبحن زوجات للمقاتلين المنتصرين، مضيفا أنه ينبغي أن نتذكر أن استعباد عائلات (الكفار) واتخاذ نسائهم جواري هو أمر ثابت في الشريعة، ومن أنكره أو استهزأ به فهو منكر أو مستهزئ بآيات القرآن، حسب موقع جريدة “الجارديان”.
ونقل الموقع عن إحدى السيدات اللواتي وقعن في أسر داعش قولها، إنها كانت شاهدة على الممارسات الصادمة بحق النساء وخاصة الفتيات الصغيرات، وبيّنت كيف كان عناصر داعش يدخلون إلى مركز احتجاز النساء لاختيار الفتاة الصغيرة الجميلة.
وأضافت أنه في أحد الأيام، انفصلت طفلة تبلغ من العمر 10 سنوات عن والدتها، لأن مجموعة من رجال داعش قرروا شراء الفتاة.
زواج قسري
ويعتبر الزواج القسري من أشكال الانتهاكات الأخرى التي استهدفت النساء من قبل تنظيم داعش في مناطق سيطرته، حيث أجبر التنظيم العديد من النساء والفتيات على الزواج من مقاتليه، مستخدما الزواج القسري كوسيلة لجذب وتحفيز وتثبيت المقاتلين، وكذلك لإنجاب جيل جديد من المقاتلين والمؤيدين للتنظيم.
وذكرت صحيفة “النيويورك تايمز” عام 2016، أن أنواع المعاملة التي تعرضت لها النساء على يد عناصر داعش كانت متنوعة، فقد قام بعض الرجال بدمج النساء في أسرهم كعبيد في المنازل، والبعض الآخر استخدمهن كلعب جنسية حصريًا، وقام آخرون بتزويجهن (الزواج القسري).
وقالت إحدى الناشطات من سكان المنطقة الشرقية لمنصة SY24، “إن زواج القاصرات وبشكل قسري، أجبر بعض الناس على الفرار إلى تركيا هربا من تزويج بناتهم لعناصر داعش بحجة أنهم من المهاجرين، إذ كان من يُطلق عليهم اسم الأمراء يفرضون على بعض العائلات تزويج القاصرات للمهاجرين على اعتبار أن هؤلاء جاؤوا للتضحية بحياتهم من أجل السكان”.
وأضافت “كما أنشأ داعش ما تسمى كتيبة الخنساء، والتي كانت تتجول وتراقب أي امرأة مخالفة وتفرض عليها عقوبات شديدة وأهمها الجلد، كما منع داعش الاختلاط في المدارس ومنع المقاهي المختلطة”، مبينة أن “كتيبة الخنساء كانت من أبشع ما أنشأه التنظيم والتي كانت تهدف إلى تقييد المرأة وحركة تنقلها”.
وتابعت “اليوم تواجه الناجيات من داعش تحديات نفسية أليمة، لأن طبيعة المجتمع منفتح وليس منغلق ويحوي مجموعة من الطوائف على اختلاف توجهاتها، وبالتالي لم يكن خطاب داعش الديني يلقى أي قبول لدى أبناء الرقة، فداعش كانت عبارة عن كائنات وليسوا بشر فقد أساؤوا للدين والمجتمع معاً”.
قمع وتمييز وترويع
ومارس التنظيم أشكالاً أخرى من الانتهاكات التي تعرضت لها النساء، حيث فرض التنظيم نظامه الوحشي على النساء في المناطق التي يسيطر عليها، وحدد لهن قواعد وتعليمات صارمة تتعلق باللباس والحجاب والتعليم والعمل والحركة والتواصل والترفيه والعبادة والزواج والطلاق، وقد انتهك التنظيم حرية النساء وحقوقهن وكرامتهن، وحولهن إلى جسد بلا روح يخضع لإرادة وسلطة الرجال.
وفي عام 2019، جاء في تقرير نشره موقع جريدة “الجارديان” أن داعش عمل على غسل أدمغة المنتمين له وبالأخص النساء، مشيراً إلى إن النساء اليوم يشعرن بالندم على اللحظة التي وصلن فيها إلى
سوريا للانضمام إلى التنظيم والزواج من عناصره، كما أنهن يشعرن بالصدمة من هول ما مررن به، حسب تعبيرهن.
النساء بنظر داعش مجرد سلعة
وقال مضر الأسعد رئيس المجلس الأعلى للقبائل والعشائر السورية لمنصة SY24، “عندما قام تنظيم داعش باحتلال مناطق واسعة من سوريا، فرض قيوداً كبيرة على النساء والفتيات وتم تقييد حرية الفتاة، وقد فرض على الفتاة القاصر أن تتزوج، ومن هنا لاحظنا أن تعدد الزوجات بات بشكل كبير جداً في مناطق سيطرته بسبب فرض الزواج بالقوة على الفتاة”.
وزاد قائلا، إن “تنظيم داعش جعل الفتاة سلعة أو أداة تدار في المنزل سواءً من زوج متعصب أو من شقيق متطرف”، وفق وصفه.
وأوضح أن “تنظيم داعش فرض قيوداً على النساء والفتيات في مسألة التنقل وأبرزها منع خروج الفتاة لوحدها إلى الشارع، كما كان يمنع خروجها إلى المصنع، أو المعمل، أو الأراضي الزراعية، أو التوجه إلى الجامعات والمدارس وإلى العمل بشكل عام، لذلك يمكن القول إن ما جرى كان حقبة سوداء في ذاكرة النساء في مناطق سيطرة داعش وسوريا عموما”.
وأكد أن “الآثار النفسية والجسدية كانت صعبة جدا على الفتيات الناجيات اللواتي خرجن من الظلام إلى النور، ومن نفق كان لا يوجد فيه بصيص أمل بأن الوضع سيتغير، ولكن الله استطاع أن ينهي داعش وأن يقضي عليه من أجل أن تعود المرأة وجميع السوريين إلى وضعهم الطبيعي”، وفق تعبيره.
وبيّن أن “ممارسات تنظيم داعش والقيود التي فرضها على المرأة سواءً من خلال منعها من التوجه إلى المستشفيات أو من خلال إجبار القاصرات على الزواج، تسبب بأمراض نسائية متعددة لهن وخاصة للفتيات الصغيرات، كما أدى الزواج القسري إلى تفكيك الأسرة وعدم تماسكها وإلى تفكك المجتمع، حيث تم تزويج العديد من القاصرات لعناصر بأسماء وهمية من داعش، وقد نتج عن الزواج أطفال مجهولي النسب.
وختم بأن “على جميع القبائل والعشائر السورية التكاتف لمعالجة الآثار السلبية للتطرف الذي مورس على النساء والفتيات، من أجل الوصول إلى أسرة متماسكة ومجتمع نظيف متماسك، وعلينا أن نعترف أن المرأة السورية مشارك رئيسي في بناء المجتمع والأسرة والدولة”.
ووسط كل ذلك تتعالى الأصوات للتأكيد على أن النساء السوريات لسن ضحايا، بل هن شريكات فاعلات في صناعة التغيير والتقدم، وأنه لا يمكن تحقيق السلام والعدالة والديمقراطية في سوريا دون الاعتراف بحقوقهن ودورهن وصوتهن، مطالبة المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية والحقوقية إلى العمل بجدية وحزم لوقف هذه الانتهاكات وحماية النساء السوريات من كل أشكال العنف والظلم في أي مكان في سوريا أو خارجها.