بعد جني محصول القمح وتجفيفه، تقوم “أم حسين” بسلق الحنطة ووضعها تحت أشعة الشمس ثم تجرشها لتحولها إلى برغل ناعم وخشن لتكون مونة عائلتها على مدار سنة كاملة.
يتصدر القمح قائمة المنتجات الغذائية في الشمال السوري المتوفرة في كل منزل، وكان لتلك المنتجات نصيب كبير في تواجدها على موائد مناسبات الأفراح عند السوريين وبشكل خاص عند مزارعي مادة القمح.
“أم حسين” سيدة ستينية، وأم لعشرة أولاد، تسكن في قرية (جنة القرى) بسهل الروج غربي إدلب، تزرع كل عام برفقة زوجها ما يقارب العشر دونمات من القمح، وبعد أن يصفر لونه في أواخر نيسان تقوم بحصاده.
بعد الحصار، تُترك تلك النبتة تحت أشعة الشمس حتى تجف تماماً، ثم تفصل الشوائب عن حبات القمح عبر آلة تسمى “الدراسة”، تقول: “أم حسين” الدراسة تنظف القمح بشكل كامل من الحجارة والأعشاب العالقة فيه”.
تبدأ بعد ذلك مرحلة السلق، تمهيداً لتحويله القمح إلى البرغل، تقول: ” أغسل القمح عدة مرات، ثم أضعه في قدر كبير وأغمره الماء فوقه بمقدار شبرين”.
يطبخ القمح على نار متوسطة حتى ينضح، ثم ينشر على أسطح المنازل تحت أشعة الشمس حتى يجف، تحدثنا “أم حسين” عن مشهد نقل الحنطة المسلوقة على سطح المنزل، فتقول: “يتعاون أفراد العائلة على نقل الحنطة إلى السطح، فتجدهم كخلية النحل يتسابقون على إيصال الحنطة إلى السطح “.
بعد الانتهاء من نقل الحنطة توزع “أم حسين” صحون من السليقة على الجيران والأقارب، بعد أن ترش عليها السكر والقرفة المطحونة، تقول: ” هذه العادة موجودة في قريتنا منذ زمن طويل، تزيد الألفة والمحبة بين بعضنا البعض”.
يعد المرحلة الأخيرة، من أهم مراحل تجهيز البرغل، بعد جفاف الحنطة بشكل كامل تقوم “أم حسين” بجرشها إلى برغل ناعم ليكون مونتها في تحضير الكبب والتبولة، إضافة إلى جرش الحنطة لحبات خشنة تستخدم لطبخ المجدرة.
“السنينية” عادة موجودة عند الكثير من أهالي الشمال السوري حيث تحتفل العائلة ببزوغ أول سن لطفلها عبر طبخها السليقة وتوزيعها على الأقارب والجيران، تقوم “أم يزن” البالغة من العمر 30 عاماً، أم لطفلين، تسكن في مدينة إدلب، بحفلة تدعو لها أقارب وأصدقاء العائلة لتحتفل ببزوغ أول سن لطفلها.
تطبخ “أم يزن” السليقة ثم تزينها ببعض المكسرات والحلويات إضافة إلى تجهيز عدة أنواع من المأكولات الخفيفة كالتبولة و الكاتو والفطائر والفواكه.
تحدثنا عن طقوس تلك الحفلة، فتقول: “نغني ونرقص احتفالاً ببزوغ سن طفلي، ثم نقدم السليقة وباقي المأكولات كضيافة للمدعوين”.
قلت هذه الطقوس والمناسبات بشكل ملحوظ وذلك بعد نزوح مزارعي هذه المحاصيل نتيجة سيطرة قوات النظام على أراضيهم الزراعية في ريف إدلب الشرقي وسهل الغاب بريف حماه،