في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية التي يعيشها غالبية السكان في إدلب، بات اللجوء إلى الصيدلي لتشخيص الأمراض بدلاً من الطبيب ظاهرة شائعة ومقلقة في آن واحد، وذلك بسبب ارتفاع تكاليف المعاينة الطبية التي جعلت من زيارة الطبيب أثناء المرض خياراً مستبعداً لكثير من المرضى في المنطقة.
“راميا” 37 عاماً، أم لثلاثة أطفال، مقيمة في تجمع سكني في منطقة كفر لوسين شمال إدلب، تقول لمراسلتنا إنها تعتمد على أحد الصيادلة في منطقتها لتشخيص مرض أطفالها وشراء الدواء مباشرة دون الحاجة للذهاب إلى طبيب الأطفال ودفع كشفية المعاينة التي لا تقل عن 100 ليرة تركية، تخبرنا أنه بثمن الكشفية تشتري الدواء، حتى أنها باتت تعرف أنواعاً من الأدوية لكل مرض وفق قولها.
تبلغ تكلفة زيارة الطبيب في إدلب ما بين 100 و250 ليرة تركية، وتختلف من طبيب لآخر حسب الخبرة والاختصاص، حيث يعتبر هذا مبلغ مرتفع بالنسبة لغالبية السكان والعمال، إذ تعادل أجرة عامل مياومة لمدة أربعة أيام، وهو مبلغ لا يستطيع الكثير من الأهالي تحمله، خاصة في ظل تراجع مستوى المعيشة والبطالة المتزايدة.
يقدم كثير من الصيادلة في إدلب خدمات إضافية منها فحص المريض وتشخيص المرض ووصف الدواء المناسب له، على الرغم من أن هذه مهمة الطبيب، يقول الصيدلاني “مالك الطويل” صاحب صيدلية في منطقة دير حسان بريف إدلب الشمالي في حديث خاص مع SY24: إن “عدد كبير من الأهالي باتوا يعرفون الدواء المخصص لكل حالة مرضية ويطلبونه بالاسم، خاصة في حالات الزكام والرشح أو الأمراض العرضية مثل الإسهال والصداع، نحن بدورنا نحاول مساعدة الأهالي بقدر الإمكان، فأغلبهم لا يملك المال لزيارة الطبيب”، مع تأكيده أن هذه الطريقة ليست بديلاً آمناً أو مناسباً.
وأشار إلى أن اللجوء إلى الصيدلي بدلاً من الطبيب يحمل في طياته مخاطر صحية كبيرة، إذ أن الصيدلي قد لا يكون قادراً على تشخيص الأمراض بشكل دقيق أو اكتشاف الحالات التي تتطلب تدخلاً طبياً متخصصاً، والتشخيص الخاطئ أو غير الدقيق قد يتسبب في مضاعفات خطيرة للمريض.
كما يلجأ المرضى إلى المشافي العامة المجانية والمراكز الصحية المتوفرة ضمن مناطقهم، غير أن الكثافة السكانية العالية في البقعة الجغرافية الضيقة شمال غربي سوريا ضاعفت من قدرة المشافي على استيعاب أعداد المرضى والمراجعين بشكل يومي، وزادت من زحمة العدد وساعات الانتظار، ما يدفع الحالات المستعجلة إلى الذهاب مباشرة لشراء الدواء من الصيدلية بناءً على وصف الأعراض والتشخيص الذاتي للمرض.
وسط غياب الحلول الفعالة وانخفاض الدعم الطبي المقدم للأهالي في الشمال السوري، يعيش ملايين الأشخاص في المنطقة بين مطرقة ارتفاع تكاليف الكشف الطبي وسندان المخاطر الصحية، مما يضع مستقبلهم الصحي على المحك ويجعل حياتهم في خطر.