الانسحاب الأمريكي من اتفاقية (6 + 1) مع إيران بشأن برنامجها النووي يمكن اعتباره لطمة شديدة الوقع على أطراف متعددة منها الطرف الروسي والنظام الأسدي المتهالك، هذه اللطمة وضعت استثمار إيران السياسي والعسكري والمالي في الصراع السوري على كفّ عفريت، فإدارة ترامب الجمهورية رأت أن هذا الاتفاق يخدم إيران ويضرّ بمصالح الولايات المتحدة، وإذا صحّت المعلومات الاسرائيلية عن عملية قامت بها مخابرات الدولة العبرية والمتمثلة بالسيطرة على نصف طن من الوثائق الورقية والأقراص المضغوطة الخاصة بالبرنامج السري النووي الإيراني فإن احتمالات محددة ستواجه إيران بهذا الملف.
الاحتمال الأول أن ترضخ إيران للمطالب الأمريكية الاسرائيلية التي تطالب بفتح كل المنشآت النووية الإيرانية أمام لجان التفتيش الدولية بدون أية عراقيل، ووقف برنامج تصنيع وتطوير الصواريخ البالستية الذي تشتغل عليه إيران وقطعت به أشواطاً مهمة، إضافة إلى انسحاب إيران من الإقليم إلى مربعها الجغرافي الوطني وعدم التدخل بشؤون دول المنطقة.
الاحتمال الثاني أن ترفض إيران الرضوخ للتهديدات الأمريكية الإسرائيلية وعدم التعامل معها بجدية كافية وهذا يعني ذهابها إلى حرب مفتوحة قد لا تطال النفوذ الإيراني في دول الإقليم فحسب بل تتعداه إلى ضرب مراكز القوة والتهديد على الأراضي الإيرانية.
الاحتمال الثالث أن تقبل إيران بالذهاب إلى مفاوضات جديدة على برنامجها النووي والصاروخي وتدخلها في المنطقة كسلة واحدة وبوساطة من روسيا أو دول أوربية نأت بنفسها عن قصد تأييد الانسحاب الأمريكي لتبقى على تواصل مع إيران وفق حسابات الشدّ والرخي.
هذه المفاوضات الجديدة لن تكون شبيهة بمفاوضات إدارة أوباما وحنجلة جون كيري، فإدارة ترامب الجمهورية لن تقبل من إيران سوى تقديم تنازلات مؤلمة على صعيد كل استثماراتها السياسية والعسكرية والاقتصادية في سورية ودول المنطقة، ولكن قد يبدو هذا الاحتمال أقلّ سوءً من الرضوخ التام، فالتفاوض قد ينتج عنه (حبة ملبس) هي أفضل من لا شيء.
ولكن إذا تصرّفت حكومة المرشد الإيراني بطريقة تنمّ عن غطرسة ومبالغة بقدرات الذات الإيرانية ورفضت القبول بتقديم تنازلات للأمريكيين أو عدم الاستعداد لتقديم تنازلات كبيرة عبر التفاوض فهذا يعني ذهابها إلى حرب لا أحد يعرف من أين تبدأ وكيف ستنتهي.
الأمريكيون لا يريدون أن يخسروا إقليم الشرق الأوسط الاستراتيجي بموقعه وثرواته لمصلحة أي دولة إقليمية يتوقعون منها تهديد نفوذهم فيه، هذا السلوك قامت به إيران علناً وبتبجح واضح وصريح، فعدد من المسؤولين الإيرانيين قالوا على شاشات التلفزة إن طهران تحكم الآن ثلاث عواصم عربية هي صنعاء وبغداد ودمشق.
والسؤال: هل يسعى حكام طهران إلى القبول بالهزيمة الأقل والرضوخ للمطالب الأمريكية الإسرائيلية، أم أنهم سيكررون تجربة العراق السابقة بشأن برنامجها المتعلق زوراً بأسلحة الدمار الشامل.
كل المؤشرات تشير إلى وجود براغماتية عالية لدى القيادة الإيرانية والتي لديها القدرة على التراجع عن التحدي في اللحظة الأخيرة وتجنب مواجهة خاسرة وفق ميزان القوى العسكري والاقتصادي المختلّ أساساً بفروقات هائلة لغير مصلحتها.
الإيرانيون وقبل أن تحدث الحرب معهم خسروا الحرب لأن حلفاءهم من الروس وغير الروس ليسوا على استعداد لمواجهة مع الولايات المتحدة ودولة اسرائيل ذات النفوذ الدولي الكبير، هذه المعادلات المرّة في الفم الإيراني قد تدفع ببعض الحلاوة في فم الشعب السوري الجريح، فانسحاب النفوذ الإيراني من سورية ومن المنطقة ربما سيضع معادلة الحل السياسي على سكة صالحة هذه المرة، وسيجد النظام الأسدي نفسه مرغماً على القبول بالحل الأمريكي الغربي الذي طرحته ورقة تيلرسون وزير الخارجية الأمريكية الأسبق والمتمثل بقبول الانتقال السياسي بعد ضمانات لهذا النظام على عدم محاكمته.
إن تصريح أفيغدور ليبرمان أن اسرائيل لا تريد إزاحة الأسد هو الرشوة الإسرائيلية الأمريكية للنظام للصمت على سحق إيران في سورية قريباً إن رفضت المطالب الأمريكية الإسرائيلية.