عثرت السيدة “رويدة” 34 عاماً، أخيراً على فرصة عمل في أحد محلات بيع الألبسة بمدينة إدلب بعد بحث وعناء استمر منذ بداية العطلة الصيفية وانتهاء الموسم التدريسي لهذا العام.
رويدة معلمة صف في أحد مدراس مدينة إدلب، توقف عملها مع انتهاء الامتحانات المدرسية في الشهر الخامس وبقيت بلا دخل مادي كحال مئات المعلمات والمعلمين الذين تتوقف رواتبهم الشهرية خلال أشهر الصيف باستثناء عدد قليل من المدارس المشمولة بتقديم نادي صيفي للطلاب بدعم من أحد المنظمات الإنسانية.
هذه الميزة لم تمشل المعلمة رويدا وكثير من المدرسين في إدلب وريفها. تقول في حديثها إلينا: إنها “تقضي أشهر العطلة الصيفية بمزيد من الديون والأعباء المالية نتيجة الضائقة المادية التي تمر بها، لذا يصبح البحث عن عمل آخر إلى حين افتتاح المدارس والعودة إلى مهنة التعليم أمرا ضرورياً وليس خياراً لها ولجميع المعلمين والمعلمات الذين توقفوا عن العمل خلال هذه الفترة.
يؤكد عدد من الكوادر التعليمية تحدثنا إليهم هذه المعاناة المشتركة فعدم وجود رواتب يتلقونها يضطرهم إلى العمل في مهن أخرى قد لا تناسبهم. إذ يعمل بعضهم في مهن شاقة مثل أعمال البناء والإنشاءات أو الحلاقة أو يلجأون للعمل في متاجر المواد الغذائية أو إلى مهن غير مضمونة مثل البحث عن الآثار والكنوز المدفونة.
وعموماً يشكو معلمو إدلب من تدني رواتبهم التي بالكاد تكفي لتلبية احتياجاتهم الأساسية، إذ يتراوح راتب المعلم ذو النصاب الكامل بين 140 و160 دولاراً شهرياً، فيما يحصل المعلمون بنصاب غير كامل على أقل من ذلك بكثير. يخبرنا المعلم “أحمد حمادة” اسم مستعار لمدرس لغة إنجليزية في أحد مدارس ريف إدلب الشمالي أن معظم المعلمين يواجهون صعوبة في تغطية نفقاتهم اليومية حيث ينفد الراتب قبل منتصف الشهر في كثير من الأحيان.
يقول: إن “جزءاً كبيراً من الراتب يذهب لسداد الديون وتلبية الاحتياجات الأساسية في اليوم الأول من الشهر، ما يترك لديهم مبلغاً زهيداً لا يكفٍ بقية الشهر. بالإضافة إلى تدني الرواتب، يعاني المعلمون من ضغط العمل الذي يستمر حتى خارج المدرسة من خلال تحضير الدروس وتصحيح الاختبارات والتواصل مع الأهالي.
ولفت المدرس “أحمد” إلى معضلة عدم عدالة الرواتب بين المعلمين وباقي الموظفين، مشيراً إلى أن العاملين في وظائف أقل أهمية من مهنة التعليم “السامية” حسب وصفه، يحصلون على رواتب أعلى بكثير خاصة في المنظمات الإنسانية.
قلة الرواتب يرجعها المعلم “أحمد” إلى سياسة خاصة تتبعها المجمعات التربوية في حكومة الإنقاذ والتي تمنع المنظمات الداعمة لعدد من المدارس في المنطقة من رفع الراتب الشهري للمعلمين والذي كان من المفترض أن يصل إلى 300 دولار شهرياً، خشية مطالبة المعلمين في المدارس الحكومية بزيادة مماثلة وهذا ما لايناسب حكومة الأمر الواقع حسب قوله.
وأضاف أن المنظمات الإنسانية الداعمة للتعليم انصاعت لطلب المجمعات التربوية كونها تخضع لها إدارياً ولا يسعها تنفيذ قراراً كهذا دون إذنها، وانعكس كل ذلك على المعلم الذي أصبح الحلقة الاضعف في المجتمع.
محاولات كثيرة قامت بها الكوادر التعليمية خلال العام الدراسي الماضي مثل الوقفات الاحتجاجية والمطالبة بحقوق المعلم والإضراب عن العمل إلى حين إيجاد حلول جادة وفعالة تضمن حق المعلم وكرامته. وكانت منصة SY24 قد سلطت الضوء على تلك الاحتجاجات بتقارير مفصلة إلا أنها لم تثمر عن نتائج مرضية.
وعليه تظل معاناة معلمي إدلب مستمرة بين تدني الرواتب وضغط العمل، مما يدفعهم للبحث عن حلول لتحسين أوضاعهم المعيشية في ظل ظروف اقتصادية صعبة وأعباء متزايدة.