تحت أشعة الشمس الحارقة، يعمل “أبو محمود” في تقطيع الصخور الكبيرة وتحويلها إلى حجارة بأحجام محددة لتستخدم في البناء، مقابل أجور مادية زهيدة مقارنة مع عمله الشاق الذي يمتد لثماني ساعات يومياً.
تعد مهنة تقطيع وتكسير الحجارة من المهن الشاقة التي تحتاج إلى بنية جسم قوية ليستطيع العامل حمل الأثقال والأحمال لمدة عمل ساعات طويلة.
“أبو محمود” شاب ثلاثيني، وأب لخمسة أطفال، يقيم في مخيم قريب من مدينة أرمناز غربي إدلب بعد نزوحه من جبل الزاوية قبل خمس سنوات.
عندما كان في أول العشرينات من عمره، سافر مع إخوته إلى لبنان للعمل في مهنة البناء وتقطيع الحجارة، وتعلم خلال رحلاته المتتالية جميع مراحل تلك المهنة، وأيضاً جمع مبلغاً من المال تزوج به وبنى منزلاً له.
يقول: “نسبة 90% من شباب قريتي كانت تعتمد على هذه المهنة وتجمع المال من خلال عملها في لبنان”.
منذ بداية الحرب في سوريا، قلت أعداد العمال في هذه المهنة بشكل تدريجي، وذلك بسبب صعوبة وخطورة السفر إلى لبنان، يقول “أبو محمود” أن آخر رحلة خرج بها إلى لبنان كانت عام 2013، خوفاً على نفسه من الاعتقال أو الموت.
يرغب عمال المياومة في العمل في هذه المهنة الشاقة وذلك لأجورها الجيدة مقارنة مع الأعمال الحرة الأخرى، إذ يتقاضى عامل البناء يومياً 200 ليرة تركية مقابل ثماني ساعات عمل، بينما لا تصل أجور بعض الأعمال الأخرى إلى أكثر من 120 ليرة تركية.
قلت نسبة البناء والإعمار بشكل كبير منذ بداية الحرب في سوريا، وذلك بسبب القصف والدمار وافتقاد الأهالي للأمان على أملاكهم وبيوتهم.
قبل الحرب، كان “أبو عبادة” 65 عاماً، أب لسبعة أولاد، يقطن في بلدة الرامي جنوبي إدلب، قد بدأ بتأسيس منزل لابنه الكبير، ليتوقف عن إكمال تجهيزه بعد دخول قوات النظام إلى البلدة منذ عام 2012.
يقول: “البناء في هذه الأوضاع ضياع للمال لا أكثر، ففي أي لحظة يمكن أن يتحول البيت إلى رماد إثر صاروخ أو غارة جوية أو قذيفة”.
ويشير “أبو عبادة” إلى أنه اضطر من بداية عام 2013 إلى ترك منزله، وذلك بعدما أسس الجيش السوري حاجزاً بالقرب منه، وأصبح المنزل مستهدفاً بشكل شبه يومي خلال الاشتباكات الحاصلة بين الطرفين.
تقتصر الحركة المعمارية في الشمال السوري على بناء القرى السكنية للنازحين بالقرب من الحدود التركية بدعم من المنظمات الإنسانية العالمية، كما تؤمن هذه الخطوة فرص عمل للكثير من الشبان العاطلين عن العمل في المنطقة.