ليس من المستغرب أن يكشف الزمن القريب القادم عن حقائق صادمة فيما يخص العلاقة المريبة التي ربطت إيران بباراك أوباما تحديداً أثناء فترة رئاسته الثانية، ولو تعمقنا قليلاً، لوجدنا أن كل قرارات أوباما فيما يتعلق بالشأن السوري والإيراني في تلك الفترة لا يمكن أن تقاس بالمسطرة السياسية التي تراعي مصالح الدول، فهي أقرب إلى العلاقات الشخصية المتأسسة على المصالح الخاصة.
ولربما لا نبالغ إن اتهمنا أوباما افتراضياً بأنه تقاضى رشى ضخمة من إيران، وأنه استغل سنوات حكمه الأخيرة ليكون مجرد سمسار لمصالح المافيات الفاعلة على الساحة الدولية، حيث استطاعت كل من المافيا الروسية والإيرانية أن تمرر مشاريعها دون أي دور أمريكي، لم لا، ونحن نعيش فترة انهيار القيم على مستوى العالم، ولربما وجدها أوباما فرصة للخروج من حكم أمريكا بثروات طائلة، وليشتعل العالم من بعده بمن فيه.
قد تكون تلك مجرد فرضية متأسسة على رد فعل عاطفي تجاه السياسة الأمريكية في عهد أوباما، ولكن مسار الحدث وجميع الوقائع التي أعقبت انتهاء فترة أوباما الرئاسية، تدل على أن كل قراراته فيما يتعلق بالشرق الأوسط وتحديداً بالقضية السورية وتفرعاتها الإقليمية لم تكن في صالح الولايات المتحدة، بل في مصلحة خصومها التقليديين.
ففي تلك الفترة سطع نجم روسيا وأصبح فلاديمير بوتين يتحرك بثقة كبيرة ويحرك مشاريعه الإجرامية في مأمن تام من أي ردة فعل أمريكية، وراحت إيران تعلن نواياها التوسعية صراحة، وترتكب المجازر العلنية في أربع دول عربية دون خشية من ردة فعل المجتمع الدولي، وكل ذلك لا يدل إلا على ضمانات من أمريكا أوباما بعدم التعرض لحركة تلك القوتين المافيويتين، بل بدعمهما على أوسع نطاق.
والدليل الأوضح الماثل أمامنا اليوم على أن قرارات أوباما لم تكن منسجمة مع المصلحة الأمريكية، هو انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي مع إيران، ما يعني أن ذلك الاتفاق تم بين إيران وأوباما وليس بين إيران وأميركا، فالولايات المتحدة لديها استراتيجيات طويلة الأجل، وليس من المعقول أن يكون ذلك الاتفاق من ضمن استراتيجيتها، وإلا لما كانت أقدمت على إلغائه.
ورغم كثرة الأعداء الذين وقفوا ضد نجاح الثورة السورية وحالوا مباشرة دون انتصارها، يبقى “أوباما” الأكثر عداء وأذى لثورة السوريين، ولربما نستطيع تحميله المسؤولية الكبرى فيما آلت إليه حال سورية والسوريين جميعاً، حيث لم تقدم دولة أخرى خدمات لنظام الأسد وحلفائه كتلك التي قدمها باراك أوباما في سنوات حكمه الثمان.
وبالإضافة إلى خدمات أوباما الكثيرة والمباشرة والتي أدت إلى الحيلولة دون سقوط الأسد وعصابته، وعلى رأسها إلغاء الضربة التي توعد بها الأسد بعد استخدامه الكيماوي في العام ٢٠١٣، فقد لعب أوباما الدور الأبرز والأكثر خطورة على سورية والمنطقة العربية برمتها، والذي تمثل في إنجازه للاتفاق النووي مع إيران في العام ٢٠١٥.
وبصرف النظر عن المكاسب السياسية التي جنتها إيران جراء ذلك الاتفاق، فإن المكاسب المالية التي استعادت من خلالها مئات المليارات من الدولارات المجمدة، فضلاً عن تحريك التجارة مع أوروبا، كان بمثابة إنقاذ مباشر لإيران من السقوط الاقتصادي الذي كان وشيكاً، تلك المكاسب المالية أنتجت مكاسب عسكرية في سورية ولبنان والعراق واليمن، حيث تمكنت إيران بفضل ذلك الاتفاق من المضي قدماً بمشروعها التوسعي الطائفي الفتنوي المفضوح والمكشوف، ولم يكن يخفى على أوباما بالطبع ما الذي ستفعله إيران بحنفية الأموال التي أعاد فتحها لها في الوقت المناسب.
بدد نظام الملالي رصيده المالي في دعم نظام الأسد على مدار أربع سنوات، وكان على وشك الإفلاس، قبل أن يلعب أوباما دور المنقذ والمخلص، ويحول إيران من عدو تقليدي للولايات المتحدة إلى حليف ليس لأمريكا وحدها بل ولأوروبا أيضاً، في مشهد ربما كان الأغرب في ساحة الممارسة السياسية المعاصرة.
صرف باراك أوباما وقتاً طويلاً من فترتيه الرئاسيتين، وهو يهدد الأسد ويتوعده، ويحصي “أيامه المعدودة” ويطيل الحديث عن فقدانه للشرعية واستحالة بقائه في الحكم، ولكن ذلك كله كان عبارة عن مهمة وظيفية، عن تصريحات إعلامية لم ترق إلى مستوى اتخاذ إجراء جدي بحق نظام الأسد، بل إن أسباب تراجعه عن ضرب الأسد في العام ٢٠١٣، والمتمثلة بتسليم الأخير للسلاح الكيماوي، أصبحت موضع شك، فقدرات الأسد الكيماوية لم تقل بعد تلك الصفقة المزعومة، بدليل أن أمريكا ما بعد أوباما لا تزال تتحدث عن تلك القدرات وكأن السلاح الكيماوي لم يسحب من سورية.
وهنا يحق لنا أن نشكك بصفقة تسليم السلاح الكيماوي، وافتراض صفقة من نوع آخر تماماً فحواها قبض أوباما ثمن تراجعه عن ضرب الأسد من إيران، أو الاحتفاظ بنصيب من أموال إيران المفرج عنها في العام ٢٠١٥، وهنا لا بد أن ننظر إلى كل تلك الأحداث ككتلة واحدة، ولا سيما أن الخيط الرابط فيما بينها بات اليوم أوضح من أن يتوارى عن العين المدققة.
ولكن الأخطر من ذلك كله، هو أن أوباما فتح هوامش الدعم المطلق لإيران التي تحمي النظام الذي يريد أوباما أن يسقطه، وتلك مفارقة لا يمكن أن تنسجم مع أي عرف سياسي، ولا يمكن تفسيرها إلا بعلاقات مريبة جمعت أوباما وفريقه مع الإيرانيين، الأمر الذي يبرر للسوريين المطالبة بإعادة فتح ملف أوباما على ضوء المتغيرات الجديدة، وعدم الاكتفاء بالنظر إلى دوره في سورية على أنه توجه سياسي للولايات المتحدة في فترة زمنية ما، فقد تكشف المتابعة ملفاً جنائياً تم استبعاده تماماً من كل التحليلات السياسية.