شهد الشمال السوري يوم الأحد 18 آب/أغسطس الجاري، حدثاً بارزاً تمثل في الافتتاح الرسمي لمعبر “أبو الزندين” في مدينة الباب شرقي حلب، الذي يربط بين مناطق سيطرة الجيش الوطني السوري ومناطق سيطرة النظام السوري.
وجاء هذا الافتتاح برعاية “الحكومة السورية المؤقتة” والشرطة العسكرية شمال سوريا، وسط إجراءات أمنية مشددة.
وأثار افتتاح المعبر جدلاً واسعاً وانقساماً في الرأي العام المحلي، فبينما ترى السلطات المحلية أن الخطوة ستسهم في تحسين الظروف المعيشية وتعزيز النشاط الاقتصادي، يعبر العديد من المدنيين والناشطين عن مخاوف جدية.
وتتركز هذه المخاوف حول احتمالات زيادة تهريب المخدرات، وتسهيل دخول سيارات مفخخة من مناطق سيطرة النظام وداعميه، إضافة إلى الاعتقاد بأن المنفعة الاقتصادية ستعود بشكل أساسي على مناطق سيطرة النظام.
وحذّر بعض الناشطين من مخاطر محتملة تشمل تحقيق نصر معنوي للنظام، وتزويد مناطقه بالقطع الأجنبي، والضغط على الموارد الأساسية في مناطق المعارضة، حسب تعبيرهم.
وفي تطور لافت على صعيد الحركة التجارية في شمال سوريا، شهدت الأسابيع الأخيرة سلسلة من الإجراءات والتحركات الهادفة إلى إعادة فتح معبر أبو الزندين وتأهيل الطرق الدولية.
وذكرت مصادر مطلعة أنه في منتصف حزيران/يونيو الماضي، جرت تحضيرات بين الجانبين الروسي والتركي في ريف حلب الشمالي الشرقي لإعادة فتح معبر أبو الزندين، الذي يفصل بين مناطق سيطرة الفصائل المعارضة والمناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري.
وتبع ذلك إعلان المجلس المحلي لمدينة الباب في 26 حزيران الماضي، عن فتح المعبر بشكل تجريبي لمدة 48 ساعة، كخطوة تمهيدية لاعتماده معبراً تجارياً رسمياً.
وأوضح المجلس أن هذه الخطوة تهدف إلى تحسين الظروف المعيشية للسكان المحليين وتعزيز النشاط الاقتصادي في المنطقة.
وأشار المجلس إلى أن افتتاح المعبر سيتيح للتجار وأصحاب الأعمال نقل البضائع والسلع بشكل أيسر، مما سيسهم في تنشيط الحركة التجارية وزيادة موارد المجلس المحلي.
ومن المتوقع أن يتم استثمار هذه الموارد في مشاريع الصالح العام وإعادة تأهيل البنية التحتية في مدينة الباب.
غير أن هذه التصريحات قوبلت باحتجاجات شعبية غاضبة رافضة لفتح المعبر، كما أثارت ردود فعل سلبية من قبل العديد من المؤسسات والفعاليات في الشمال السوري.
ويعكس هذا الانقسام حجم التحديات التي تواجه عملية إعادة فتح المعابر وتفعيل الحركة التجارية بين مناطق السيطرة المختلفة، حسب مراقبين.
وفي سياق متصل، بدأ النظام السوري مؤخراً بتأهيل وصيانة طريق (دمشق – حلب) الدولي (M5) في محافظة إدلب على امتداد 71 كيلومتراً، حيث تشمل أعمال الصيانة قشط ومد طبقة إسفلتية جديدة لمسلكي الطريق في كلا الاتجاهين.
ويمر هذا الطريق الحيوي بمدن رئيسية في إدلب مثل خان شيخون ومعرة النعمان وخان السبل وسراقب وصولاً إلى حلب، ويعد شرياناً رئيسياً يربط المناطق الجنوبية بالوسطى والشمالية في سوريا، مروراً بمدن حمص وحماة.
جدير بالذكر أن فصائل المعارضة كانت تسيطر سابقاً على أجزاء من هذا الطريق الدولي في محافظات حماة وإدلب وحلب، إلا أن النظام السوري، وبدعم روسي، تمكن من بسط نفوذه على كامل الطريق بعد السيطرة على مدن رئيسية في إدلب.
ومع ذلك، لا تزال فصائل المعارضة تحتفظ بإشراف جزئي على الطريق من خلال سيطرتها على بعض التلال الحاكمة المطلة عليه.
ويعتبر طريق M5 محوراً رئيسياً للنقل البري بين شمال وجنوب سوريا، وكان يلعب دوراً حيوياً في حركة البضائع والتجارة بين المدن الكبرى قبل اندلاع الثورة السورية.
ولطالما شكلت السيطرة الكاملة على هذا الطريق هدفاً استراتيجياً للنظام السوري وحلفائه خلال السنوات الماضية.
وفي هذا الجانب، قال ناشط سياسي من منطقة إدلب (فضّل عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية)، إن “أول الأهداف من وراء فتح معبر أبو الزندين أن تمر منه قافلة الشاحنات التركية المتجهة عبر مناطق (الباب حلب دمشق) ومنها إلى معبر نصيب باتجاه الأردن، وهو مهم جدا لتركيا لتصدير منتجاتها خاصة الخضار إلى الخليج، بدل السفن التي تحمل الشاحنات وتدخل من المتوسط عبر قناة السويس إلى موانئ السعودية وما يشكل ذلك من تكلفة ووقت”.
وأشار إلى أن “النظام سيستفيد من وراء ذلك عبر رسوم الشاحنات استفادة كبيرة، وسيستفيد قادة الجيش الوطني من مرور الأشخاص والشاحنات لقاء رسوم عنها”.
ولفت إلى أن “النظام سوف يستفيد من الطريق الدولي M5 الذي يمر بـ (سراقب أريحا جسر الشغور)، بالتصدير عبر الموانئ الساحلية ما سيؤدي إلى إنعاش مدينة حلب بتنشيط الصناعة”.
واعتبر أن افتتاح معبر أبو الزندين “سيكون خطوة لتطبيع العلاقة بين المعارضة والنظام”، حسب رأيه.
وتشير هذه التطورات المتزامنة – من إعادة فتح معبر أبو الزندين إلى تأهيل طريق M5 – إلى مساعٍ حثيثة لإعادة تفعيل شبكات النقل والتجارة في سوريا، ومع ذلك، تبقى التحديات الأمنية والسياسية عقبة رئيسية أمام تحقيق استقرار اقتصادي شامل في البلاد، وفق مراقبين.
وقال الكاتب والحقوقي عبد الناصر حوشان لمنصة SY24، إن “فتح المعابر التجارية بين مناطقنا والنظام هو نتيجة تفاهمات دولية وخاصة تركيا ودول الخليج، والسبب هو إغلاق معبر حيفا أمام البضائع التركية إلى دول الخليج بعد عملية طوفان الأقصى والموقف التركي من إسرائيل ودعمها للمقاومة الفلسطينية، فكان البديل فتح المعابر الحدودية السورية التركية لإعادة تصدير المنتجات والبضائع التركية إلى الخليج”.
وأضاف “وبناء عليه يمكننا القول بأن الدافع وراء فتح المعابر هو تجاري قبل أن يكون سياسي، لأن ترتيبات فتح المعابر لن تؤثر على طبيعة العلاقات السياسية، لاسيما وأن المعابر كانت مفتوحة من قبل وفي أوج المعارك بين فصائل الثورة والنظام، وكان الموقف التركي ثابتا ولم يطرأ عليه أي تغيير جذري”.
ورأى أن “مصلحة النظام من وراء فتح المعابر اقتصادية وكذلك مصلحة الفصائل المسيطرة على المنطقة هناك، ولكن كنت أتمنى أن تتضمن هذه الصفقة مطلب وشرط إطلاق سراح المعتقلين مقابل السماح بفتحها من قبل فصائل الجيش الوطني”.
يشار إلى أن معبر أبو الزندين تأسس في النصف الثاني من عام 2017، عقب هزيمة تنظيم داعش في ريف حلب وتقسيم المنطقة بين قوات النظام السوري والمعارضة، ويقع المعبر على الطريق الرئيسي بين مدينتي حلب والباب، وقد لعب دوراً هاماً في عمليات تبادل الأسرى وكممر للتهريب بين الطرفين.