انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة تشرد الأطفال في الشوارع والأسواق بشكل ملحوظ في سوريا، وهي نتيجة حتمية لحالات الفقد والنزوح التي شهدتها البلاد خلال السنوات الماضية.
هؤلاء الأطفال، الذين يمثلون شريحة هشة في المجتمع، لم يكن تشردهم وليد اللحظة، بل هو نتاج مجموعة معقدة من الأسباب العائلية والاجتماعية التي ساهمت في تفاقم هذه الظاهرة.
وفي أحدث تقرير لفريق منسقو استجابة سوريا، تم تناول الظاهرة والحديث عن دور التفكك الأسري في دفع الأطفال نحو الشوارع، حيث تزداد هذه الحالات نتيجة الطلاق والانفصال بين الوالدين، إذ غالباً ما يعاني الأطفال من الإهمال، حيث يفقدون الرعاية اللازمة من كلا الطرفين، مما يجعل الشارع ملاذاً لهم.
إلى جانب ذلك، تعد القسوة الأسرية سبباً آخر يدفع الأطفال إلى الشوارع، حيث يهربون من البيوت التي تتسم بأسلوب تربية متشدد وقاسٍ من قبل الوالدين، ما يدفعهم للبحث عن الأمان بعيداً عن الأسرة.
وأشار التقرير إلى أن الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه العديد من العائلات في الشمال السوري يزيد من تعقيد المشكلة، فكثير من الأسر غير قادرة على تأمين احتياجات أطفالها الأساسية مثل الطعام والملابس والمأوى المناسب، مما يدفع الأطفال للعمل في الشوارع لتوفير ما يعجز عنه الوالدان.
يضاف إلى ذلك سوء البيئة المحيطة، التي تساهم بشكل غير مباشر في انحراف الأطفال ودفعهم إلى الشوارع، حيث يجدون في هذه البيئة سلوكيات منحرفة تؤثر عليهم وتجذبهم بعيداً عن التعليم والحياة المستقرة.
وتناول التقرير أحد أخطر الأسباب التي تساهم في انتشار ظاهرة أطفال الشوارع، وهو “التسرب المدرسي”، إذ يعجز الكثير من الأهل عن تحمل تكاليف التعليم نتيجة الوضع المادي المتردي، ما يؤدي إلى انقطاع الأطفال عن الدراسة وانخراطهم في العمل في ظروف غير مناسبة لأعمارهم، مما يعزز وجودهم في الشوارع.
في ظل هذه الأوضاع، تبدو الحاجة ملحة لتكاتف منظمات المجتمع المدني مع الجهات المحلية لمواجهة هذه الظاهرة، حيث ينبغي توفير الدعم اللازم للعائلات الفقيرة لتلبية احتياجاتها الأساسية وضمان التحاق الأطفال بالمدارس، مما سيساهم في تقليل التشرد وعمالة الأطفال، فالعودة إلى التعليم وخلق بيئة آمنة ومستقرة للأطفال هو الحل الأمثل لإنقاذهم من حياة الشارع.