حافظت “أم رائد” على مهنة صناعة التنانير الطينية، رغم قلة الطلب عليها، فهي مهنتها الوحيدة التي تعتمد عليها كمصدر رزق لها ولعائلتها بعد فقدان زوجها قبل عدة سنوات.
تعد مهنة صناعة التنور الطيني من المهن التراثية القديمة في محافظة إدلب، وقد نشطت صناعته بشكل ملحوظ خلال السنوات الأولى من الحرب في سوريا بسبب قلة الأفران الآلية وانقطاع الكهرباء لفترات طويلة.
“أم رائد”، سيدة في الخمسينيات من عمرها، أرملة وأم لسبعة أطفال، نازحة من قرية معصران بريف إدلب الشرقي، وتقيم حالياً في بلدة فركية بريف جسر الشغور الجنوبي.
تعلمت “أم رائد” صناعة التنانير الطينية منذ حوالي عشرين عاماً على يد جارتها، واعتمدت على نفسها في بداية الحرب في سوريا، نظرًا لكثرة الطلب على التنانير الطينية في ذلك الوقت.
تقول: إن “انقطاع الكهرباء والخبز بشكل مستمر أجبر الأهالي على البحث عن حلول بديلة، وكان التنور الطيني حلاً مناسباً لأزمة انقطاع الخبز في ذلك الوقت”.
فقدت “أم رائد” زوجها قبل سبع سنوات، ثم نزحت مع أهالي قريتها إلى ريف جسر الشغور أثناء الحملة العسكرية الأخيرة على المنطقة، حيث وقعت قريتها وعدد من قرى ريف إدلب الشرقي والجنوبي تحت سيطرة قوات النظام.
عادت “أم رائد” للعمل في صناعة تنانير الطين على أمل أن تتمكن من تأمين قوت أطفالها، بعد أن فقدت زوجها وأرضها التي كانت تعتبر مصدر رزقها الوحيد.
تقول: إن “أصنع التنور خلال يومين أو ثلاثة، وبسبب قلة الطلب أبيع القطعة الواحدة حسب حجمها، بين 250 و400 ليرة تركية”.
تحتاج صناعة التنور إلى تراب أحمر وماء وبعض التبن، تقوم “أم رائد” بغربلة التراب الأحمر من الحصى والشوائب، ثم تعجنه بالماء والتبن، وتتركه ليختمر لمدة يومين.
تقول: إن “أصنع التنور بشكل دائري وعلى عدة مراحل، وبالحجم الذي أريده، ثم أتركه تحت أشعة الشمس حتى يجف الطين تماماً ويصبح متماسكاً، تستغرق القطعة الواحدة بين خمسة أيام وأسبوع، وبعد ذلك تُعرض للبيع”.
شهدت صناعة التنانير الطينية تراجعاً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة مع انتشار الأفران الآلية بشكل كبير، إلا أن التنانير الطينية لا تزال موروثاً تحافظ عليه بعض العوائل الريفية، إضافة إلى استخدامه في العديد من المطاعم لصناعة الخبز وطهي “مندي التنور”.