تزامناً مع بدء العام الدراسي، يواجه العديد من الأطفال والأهالي في شمال إدلب تحديات تتعلق بالوصول إلى المدارس، حيث يشكل بُعد المدارس عن التجمعات السكنية والمخيمات أحد أكبر العوائق أمام متابعة التعليم، تقتصر المدارس في العديد من المناطق على المرحلة الابتدائية فقط، ويضطر الطلاب للانتقال إلى مناطق بعيدة لمتابعة تعليمهم الإعدادي والثانوي، مما يثقل كاهل الأسر بتكاليف النقل المرتفعة.
تتفاوت أجرة النقل بحسب المنطقة، حيث تصل أجرة السرفيس لنقل الطلاب في بعض المناطق إلى حوالي 10 دولارات شهرياً، وهو مبلغ كبير بالنسبة للعديد من الأسر التي تعيش تحت وطأة الأوضاع الاقتصادية الصعبة، هذا العبء المالي يتسبب في تفاقم ظاهرة التسرب المدرسي، خاصة بين الأطفال الذين تضطر أسرهم إلى التوقف عن إرسالهم إلى المدارس بسبب عدم القدرة على تحمل هذه التكاليف.
وفقاً للإحصاءات، بلغ عدد الأطفال المتسربين من المدارس في شمال غربي سوريا، وفق المكتب الأممي لتنسيق الشؤون الإنسانية، أكثر من مليون طفل وطفلة، بزيادة قدرها 200 ألف طفل عن العام الماضي، وهو رقم ينذر بالخطر ويعكس حجم التحديات التي تواجه العملية التعليمية في هذه المناطق، ورغم جهود المنظمات الإنسانية لدعم التعليم، يبقى البُعد الجغرافي وقلة المدارس المتاحة أحد أبرز أسباب هذا التسرب.
يتحدث “أبو أحمد”، أحد سكان مخيمات شمال إدلب، عن معاناته اليومية في إرسال أبنائه إلى المدرسة قائلاً: “لدي أربعة أبناء في المراحل الإعدادية، وأضطر لدفع أكثر من 30 دولاراً شهرياً لإرسالهم إلى المدرسة، هذا المبلغ يعادل ثلث ما أكسبه في الشهر”، متسائلاً عن حل لمشكلة طويلة الأمد فهو غير قادر على تحمل تكاليف إضافية، لا سيما مع دخول الشتاء.
تصريحات مثل هذه تؤكد حجم المشكلة وتدعو إلى ضرورة البحث عن حلول لتخفيف العبء عن الأهالي وضمان حصول الأطفال على حقهم في التعليم، في ظل استمرار الأزمة الاقتصادية، تتزايد الحاجة إلى تدخلات عاجلة لإنشاء مدارس جديدة أقرب إلى المخيمات والمناطق السكنية لتقليل هذه الأعباء.
وسط غياب الحلول البديلة لتأمين المواصلات للطلاب، تعتمد بعض المناطق على مبادرات محلية لتوفير وسائل نقل بأسعار مخفضة، إلا أن هذه المبادرات تظل محدودة وغير كافية لتغطية احتياجات جميع الطلاب.
إن استمرار هذه الأوضاع يهدد مستقبل التعليم في شمال غربي سوريا بشكل كبير. فالتسرب المدرسي لا يؤثر فقط على الأطفال اليوم، بل ينعكس سلباً على الأجيال القادمة، حيث يحرم هؤلاء الأطفال من فرصة الحصول على تعليم جيد، مما يؤثر على فرصهم المستقبلية في بناء حياة مستقرة ومجتمع مستدام.