في ظل ظروف الحرب والتهجير التي شهدها الشمال السوري خلال السنوات الماضية، وجدت العديد من النساء أنفسهن أمام تحديات اقتصادية واجتماعية صعبة، ومع فقدان العديد من الأسر لمصادر دخلها التقليدية، برزت المشاريع المنزلية كحل أساسي لمساعدة الأسر في تأمين متطلباتها اليومية، إذ تلعب النساء دوراً حيوياً في هذه المشاريع، ويعتمدن على مهاراتهن الشخصية في مجالات مثل الطبخ، الخياطة، وصناعة المونة، لتوفير مصدر دخل ثابت.
من منزلها بمدينة الدانا بريف إدلب الشمالي، افتتحت السيدة “فضيلة محمود الحلو”، البالغة من العمر 33 عاماً، مشروعها المنزلي الخاص بإعداد وجبات الطعام وتحضير المونة المنزلية لمساعدة عائلتها في تأمين احتياجاتهم اليومية وسط صعوبات الحياة اليومية، تروي فضيلة وهي أم لأربعة أطفال، ثلاثة منهم من ذوي الاحتياجات الخاصة، أنها تواجه واقعاً صعباً فرضه الحرب والتهجير عليهم منذ خروجهم من حلب قبل عدة سنوات.
تقول إنه “بسبب الأوضاع والظروف المعيشية التي نشهدها في ظل الحرب والتهجير، كان من الصعب علينا تأمين الاحتياجات الأساسية للعيش، كنت بحاجة إلى مصدر دخل يساعدني في تخفيف العبء عن زوجي، الذي كان المسؤول الوحيد عن تأمين متطلبات حياتنا اليومية من إيجار المنزل وتكاليف الكهرباء والدواء والطعام”.
بدأ المشروع بفكرة صغيرة وسرعان ما تحول إلى واقع وعمل بعد أن استغلت مهارتها في الطبخ وإعداد المؤونة المنزلية، تقول وهي تتذكر كيف بدأت في تنفيذ خطتها: “فكرت كثيراً بمشروع يكون مصدر رزق لي ولأولادي”.
تضيف، رغم التحديات المادية وقلة الإمكانيات، لم تتوقف عن المحاولة. إذ بدأت بإعداد الطعام من منزلها الصغير، مستعينة بحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي، مثل فيسبوك وإنستغرام وتيك توك، للترويج لمنتجاتها.
لاتعد المشاريع المنزلية وسيلة لإعالة الأسرة فحسب، بل تساهم أيضاً في تعزيز العمل المجتمعي التمكين الاقتصادي للمرأة، ففي مجتمع يعاني من نقص الفرص الاقتصادية، تمثل هذه المشاريع أملاً في مواجهة الفقر والتحديات اليومية، النساء السوريات في الشمال السوري أظهرن قدرة فائقة على التأقلم والإبداع، واستطعن بإمكانات بسيطة أن يحققن نجاحات ملحوظة في مجالاتهن المختلفة.
تقول فضيلة بفخر: “أعلنت عن افتتاح مشروعي وقمت باستلام أول طلبية لي، كانت البداية صعبة، لكنني عرفت كيف استثمر مهاراتي في التدبير ومهارتي في الطبخ للتغلب على العقبات”.
مع مرور الوقت، اكتسب “مطبخ شغف”، كما أسمته فضيلة، شهرة بفضل “النظافة، النفس الطيب، الأمانة، والأسعار المناسبة” حسب قولها، وبدأ الزبائن يتوافدون لطلب المزيد من الأطعمة، وفي كل أسبوع كانت تحاول إدخال صنف جديد وترويج له عبر وسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي زاد من شهرتها وثقة الناس في خدماتها.
فتح العمل الخاص لفضيلة باباً أوسع حيث طلبت منها إحدى المنظمات الإنسانية العمل كمدربة صناعات غدائية لعدد من سيدات ونقل خبرتها في إعداد المشاريع المنزلية الغذائية للنساء للاستفادة من تجربتها “الحلم لا يتوقف هنا”، إذ تأمل السيدة في المستقبل أن تفتح مطعماً خاصاً بها وتعمل فيه كشيف، مقدمة أشهى الأطباق التي تجمع بين المهارة والتفاني في العمل، تقول: “أتمنى من الله أن يرزقني بالأيام القادمة وأحقق حلمي بفتح مطعم خاص”.
ورغم مشاغل الحياة اليومية، تتحضر فضيلة لكل طلبية، حيث تطلب من زبائنها الحجز قبل يوم على الأقل لتتمكن من تحضير الأطعمة التي تستغرق وقتًا طويلاً.
تبرز قصة فضيلة كمثال حي على قدرة المرأة السورية على تحويل التحديات إلى فرص، مشاريع مثل “مطبخ شغف” تُظهر كيف يمكن للإبداع والمثابرة أن يقودا إلى تحقيق النجاح، حتى في بيئة مليئة بالصعوبات، لا شك أن هذه المشاريع المنزلية تساهم في تحسين وضع الأسر ودعم الاقتصاد المحلي في الشمال السوري، وتمثل بارقة أمل للكثير من النساء اللاتي يسعين لتحسين حياتهن وحياة أسرهن في ظل أصعب الظروف.