في ظل تصاعد الأحداث في لبنان عقب مقتل حسن نصر الله متزعم ميليشيا “حزب الله”، يواجه اللاجئون السوريون أزمة إنسانية متفاقمة تتمثل في استغلالهم وابتزازهم من قبل تجار الأزمات.
ودفعت هذه التطورات الآلاف منهم إلى الفرار إلى سوريا، حيث يجدون أنفسهم في مواجهة ظروف قاسية وتجاهل من قبل النظام السوري وابتزاز وإذلال من قبل أجهزته الأمنية.
ووفقًا لمصدر في إدارة الهجرة والجوازات التابع للنظام، عاد نحو 132 ألف سوري إلى بلادهم. ومع ذلك، فإن استقبالهم كان بعيدًا عن الترحيب الذي يدعيه النظام.
ففي دمشق، تفترش مئات العائلات السورية العائدة الأرصفة في محيط كراج البولمان منذ أيام، دون أي مساعدة من النظام أو الهلال الأحمر السوري أو الجمعيات الإنسانية.
وفي حماة، وصلت عشرات العائلات النازحة من لبنان، معظمهم من مناطق شرق سوريا مثل دير الزور والرقة والحسكة.
وعلى الرغم من وعود محافظ حماة بإيجاد حلول وتوفير وسائل نقل، إلا أن هذه الوعود لم تتحقق، بل على العكس، تم تهديد النازحين بالاعتقال إذا لم يغادروا الكراج خلال 24 ساعة، حسب مصادر متطابقة.
واستغلت بعض الجهات المرتبطة بالنظام، سواء من الأفرع الأمنية أو المتنفذين في السوق السوداء، هذه الأزمة لابتزاز العائدين.
فقد ارتفعت أسعار النقل بشكل كبير، حيث وصلت تكلفة الرحلة من دمشق إلى حمص إلى 750 ألف ليرة سورية للشخص الواحد، بينما بلغت تكلفة الرحلات إلى وجهات أخرى مليون ونصف ليرة.
وفي ضوء هذه الأزمة، طالبت “هيئة التفاوض السورية” المعارضة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسون، بالتدخل السريع لحماية اللاجئين السوريين في لبنان والتخفيف من معاناتهم.
وتؤكد تلك التطورات أن النظام السوري يتعمد تهميش العائدين السوريين، في حين يتفاخر باستقبال اللبنانيين وتجهيز المرافق لهم، ما فسح المجال لأذرعه الأمنية وللمتنفذين لابتزاز هؤلاء العائدين الضعفاء، مما يزيد من معاناتهم ويعمق أزمتهم الإنسانية.
وحول ذلك، قال الحقوقي عبد الناصر حوشان لمنصة SY24: “في ظل الأزمة الراهنة في لبنان، يتبنى النظام السوري سياسة مزدوجة في التعامل مع الوافدين عبر حدوده. فبينما يحظى اللبنانيون باستقبال حافل وخدمات متميزة، يواجه السوريون العائدون إلى وطنهم معاملة تتسم بالريبة والإهمال المتعمد”.
وأضاف: “يبدو أن النظام يسعى لاستثمار الوضع الراهن لتحقيق مكاسب سياسية ومالية، فمن جهة، يقدم صورة إيجابية عن استقباله للبنانيين، موثقًا ذلك إعلاميًا بهدف الضغط لرفع العقوبات الدولية وطلب الدعم بحجة استيعاب النازحين، ومن جهة أخرى، يتعامل مع السوريين العائدين بحذر شديد، معتبرًا إياهم مشبوهين محتملين”.
وتابع: “ورغم عدم اتخاذ إجراءات فورية ضد العائدين السوريين لأسباب سياسية، إلا أن النظام يمارس سياسة الإذلال والتحقير والإهمال تجاههم، وهذا النهج قد يدفع البعض للتذمر أو الاحتجاج، مما قد يتخذه النظام ذريعة لاحقًا لملاحقتهم وتوقيفهم وابتزازهم، كما جرت العادة”.
ولفت إلى أنه على الصعيد الاقتصادي، اتخذ النظام إجراءات ظاهرها التسهيل وباطنها الابتزاز، فقد أوقف رسم دخول البلاد البالغ 100 دولار، لكنه في المقابل رفع أسعار المحروقات بشكل كبير، معتبرا أن هذا الإجراء وإن بدا محايدًا، إلا أنه يؤثر بشكل أكبر على السوريين العائدين، خاصة من لا يملكون وسائل نقل خاصة، مما يجعلهم عرضة لابتزاز شركات النقل، حسب تعبيره.
ورأى أنه من المرجح أن يتريث النظام في اتخاذ إجراءات قمعية ضد العائدين السوريين خلال الفترة الأولى، ربما شهرًا، ريثما تكتمل عملية استقبال أكبر عدد ممكن من اللبنانيين، ولكن بعد ذلك قد تبدأ حملة من الاعتقالات والمحاكمات للسوريين تحت ذرائع مختلفة، بحسب رأيه.
وأكد على أن هذه السياسة تفتح الباب أمام سلسلة من الابتزازات المحتملة للسوريين العائدين، بدءًا من شركات النقل، مرورًا بعناصر الشرطة وأجهزة المخابرات، وصولًا إلى ما يسمى بـ”سماسرة المصالحات”، وكل هذه الجهات قد تطالب بمبالغ مالية من العائدين مقابل غض الطرف عن ملاحقتهم أو اعتقالهم.
وختم بالقول: “في المحصلة، تعكس هذه السياسة نهجًا انتهازيًا للنظام السوري، يسعى من خلاله لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية على حساب المواطنين السوريين العائدين، مستغلًا ضعفهم وحاجتهم للأمان في وطنهم”.
وفي ظل هذه الظروف القاسية، تبرز الحاجة الملحة لتدخل المنظمات الدولية والإنسانية لتقديم المساعدة العاجلة لهؤلاء العائدين، وممارسة الضغط على النظام السوري لتحمل مسؤولياته تجاه مواطنيه العائدين وتوفير الحد الأدنى من الرعاية والحماية لهم، بحسب محللين.