في ظل تفاقم أزمة ارتفاع أسعار الأدوية والعقاقير في شمال غربي سوريا، يجد العديد من المرضى أنفسهم مجبرين على البحث عن بدائل علاجية أقل تكلفة لمواجهة الأمراض، من بين هذه البدائل التي أصبحت تلقى رواجاً متزايدًا بين الأهالي هو الطب البديل، الذي يشمل التداوي بالأعشاب، الحجامة، واستخدام الزيوت الطبيعية، وهي وسائل علاجية قديمة، لا تزال تحتفظ بمكانتها بين السكان.
“أبو محمد”، صاحب محل لبيع الأعشاب والزيوت الطبيعية في إدلب، أوضح لنا أن الطب البديل يتمثل في العلاجات التي تعتمد على المواد الطبيعية دون اللجوء إلى العقاقير الكيميائية، يقول: إن “الناس يعودون للعلاج بالأعشاب والزيوت الطبيعية لأنهم لم يعودوا قادرين على تحمل تكاليف الأدوية الحديثة، والتي أصبحت باهظة بالنسبة لهم”.
من بين هؤلاء المرضى “أم عبد الرحمن”، وهي امرأة في الخمسينيات من عمرها، تعيش في ريف إدلب، وقد اضطرت منذ سنوات للتخلي عن الأدوية التي كانت تعالج بها آلام مفاصلها بسبب عدم قدرتها على مواصلة شراء الأدوية والمسكنات.
“أم عبد الرحمن” وجدت بديلاً في زيت حبة البركة المخلوط بزيت الزيتون، حيث تقول: “في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، أصبح العلاج بالأدوية غير ممكن بالنسبة لي، الزيوت الطبيعية أصبحت الحل، على الرغم من أنها لا تمنحني الراحة الكاملة، إلا أنها تخفف الألم إلى حد ما”.
الظروف الاقتصادية الخانقة التي يعاني منها السكان جعلت من العلاج بالأعشاب والزيوت خياراً رئيسياً للعديد من الأسر، حيث تتجه النساء إلى محلات العطارة لشراء مواد طبيعية مثل زيت اللوز، الورد، والبابونج، التي لا تقتصر على العلاج الطبي، بل تستخدم أيضاً لأغراض تجميلية، “أم عبد الرحمن” تؤكد أن الزيوت توفر لها جزءاً من الراحة التي كانت تحصل عليها عبر الأدوية، لكنها ترى في هذه الحلول الطبيعية بديلاً يمكنها تحمله، إذ لا تملك الدخل الكافي لتغطية تكاليف العلاج التقليدي.
إلى جانب الزيت، يعتمد بعض المرضى أيضاً على العلاجات الشعبية الأخرى مثل الحجامة، التي تعود لتصبح واحدة من العلاجات التي يلجأ إليها الناس على الرغم من توفر المستشفيات والعقاقير الحديثة، فاللجوء إلى هذه الوسائل البديلة بات جزءاً من الحياة اليومية للكثيرين، لا سيما في المناطق الريفية حيث تندر الفرص الطبية.
تقول “أم عبد الرحمن”: “ما دفعني للاعتماد على زيت الزيتون وحبة البركة هو نصيحة جارة لي، وبعد أشهر من الاستخدام، شعرت بتحسن بسيط، لكنه أفضل من عدم العلاج، التكاليف الباهظة تجعل حتى التفكير في الذهاب إلى الطبيب أمراً صعباً”.
ورغم التطور الطبي ووفرة المشافي والأدوية الحديثة، يبقى الطب البديل خياراً مفضلًا لدى الكثيرين في الداخل السوري. يروي العديد من الأهالي تجاربهم الإيجابية مع التداوي بالأعشاب والزيوت، ويعتبرونها علاجاً آمناً وأكثر موثوقية من حيث الآثار الجانبية مقارنة بالأدوية الكيميائية، ويعكس ذلك أيضاً أزمة الثقة المتزايدة في النظام الصحي المدمر بفعل سنوات الحرب، حيث يضطر السكان إلى الاعتماد على قدراتهم الذاتية في مواجهة المرض.
تظل الأزمة الاقتصادية في شمال غربي سوريا تلقي بظلالها الثقيلة على الحياة اليومية للسكان، لتصبح الرعاية الصحية واحدة من أبرز التحديات التي تواجههم، ومع استمرار ارتفاع أسعار الأدوية وانخفاض القدرة الشرائية، يبدو أن العودة إلى الطب البديل والعلاجات الشعبية باتت خياراً لا مفر منه للكثيرين، وبالرغم من الفوائد المحدودة التي قد توفرها هذه البدائل، إلا أنها أصبحت ملاذاً في ظل الانهيار المستمر للقدرة على الوصول إلى الرعاية الطبية الحديثة.