بدلاً من تلك الحملات المستنكرة لتصريحات الممثل معن عبد الحق، والتي يمتدح فيها النظام الإيراني، كان علينا أن نشكر الرجل وأن نحتفي برسالته المصورة وندعم انتشارها، دون أن نكيل له كل تلك الشتائم، فما فعله الممثل المذكور يعد في الحقيقة خدمة كبيرة للثورة وضربة في العمق لبشار الأسد.
لقد سارع الكثيرون لتسفيه الممثل والطعن في مواقفه، في ردود أفعال مستعجلة وغاضبة قطعت الطريق عليهم للوصول إلى عمق الفكرة، وقوة دلالاتها.
إن مضمون تلك الرسالة يصلح أن يكون هدية ثمينة وقيمة للثورة، فهي في حقيقتها رسالة تتماهى في جزء كبير من أهدافها مع خطاب الثورة، وتتقاطع مع ما نسعى دائماً لإثباته، بل وتصلح أن تكون وثيقة دامغة ودلالة قاطعة على خيانة الأسد.
إن القراءة غير التقليدية لتلك الرسالة ستكشف لنا مدى أهمية أن يحتفي جمهور الثورة بكلام عبد الحق كشهادة تدعم مواقفهم، فالرجل يقر صراحة بفشل بشار الأسد وضعفه وبكذب خطابه، ولربما يسخر من الأسد ومن نظريته عن العروبة، فالأسد الذي نصب نفسه كمتعهد حصري لفكرة القومية ولعب دور السمسار في كل القضايا العربية، وظل لسنوات طويلة متوارياً خلف الشعارات العروباتية ورسخ في أذهان الأجيال مقولة دمشق قلب العروبة، وما إلى ذلك من حالات الاحتيال باسم الوطن والقومية، لم يستطع أن يفعل شيئاً للعروبة حينما تم استهدافها فعلاً بمؤامرة “كونية”، بل كرس كل قوته لقتل العرب ومنعهم حتى من الدفاع عن عروبتهم وعن قوميتهم وعن بلادهم، واعتمد على أعداء العرب التقليديين في الدفاع عن العروبة!
وفي معرض دفاعه عن الهوية العربية، تجاهل عبد الحق تماماً أي دور لنظام الأسد في حمايتها ونصرتها، بل لم يرد في كل كلمته أي ذكر للقائد الفذ أو لأبيه “الخالد”، أو لأية جهة أخرى في النظام السوري.
يقول عبد الحق: من مواطن عربي سوري يود أن يرسل إليكم رسالة بأنكم كنتم “أنتم” من نصرتم عروبتنا، وكنتم “أنتم” من انتصرتم لهويتنا..الخ
لغوياً، تعد كلمة أنتم تأكيداً على أحادية المخاطب، وكأن المرسل يريد أن يقول: “ولا أحد غيركم”.
فنياً، فإن إيماءة الرأس من الخلف إلى الأمام مع كلمة “أنتم”، وكذلك التشديد على الكلمة من خلال “النبر”، تقود إلى ذات المعنى، بل وتضيف بأن الآخرين الذين ادعوا حماية العروبة والهوية والقومية ما هم إلا كاذبون ومدعون.
الخامينئي إذن وحده، هو من نصر العرب، ولكيلا يفهم بشكل مغلوط، فقد حشر عبد الحق اسم سماحة السيد حسن نصر الله في رسالته حينما استشهد بأحد أقواله عن أصدقاء سورية، دون أن يكون لذلك الاستشهاد دور حقيقي في بناء المعنى، سوى أنه تأكيد آخر على انعدام دور الأسد في الدفاع عن العروبة وعن سورية أيضاً.
وللمزيد من المعلومات، يضيف عبد الحق بأن إيران ومنذ قيام الثورة الإسلامية هي من يدافع عن العرب والعروبة، أي أنه هنا يطعن ويشكك في دور حافظ الأسد أيضاً، ويثبت بأن الأسد الأب كان بدوره أداة بيد الولي السفيه، وبهذا تكون عائلة الأسد كلها -حسب عبد الحق- خارج الحسابات في مسألة الدفاع عن العروبة.
يعد كلام عبد الحق إهانة مباشرة للأسد الابن والأب معاً ولأركان نظامهما جميعاً، وهي إهانة أكبر وأوضح وأكثر مباشرة من تلك التي وجهها الضابط الروسي في مطار حميميم حينما منع “الصبي” الأسد من الاقتراب من “المعلم” بوتين، فتلك كانت حالة إجرائية، ارتجالية، قد تقبل بعض التعليل، أما إهانة عبد الحق، فجاءت عن سبق الإصرار والتعمد، فهي كلمة محضرة ومسجلة، وهل هنالك وثيقة أفضل من هذه لخدمة الثورة السورية وإثبات حالة الاحتلال الإيراني لسورية؟!
الإهانة الأكبر، هي جرأة عبد الحق على إهانة الأسد بتلك الطريقة المباشرة، ولكن تلك الجرأة مستمدة من احتماء عبد الحق تحت عباءة الخامينئي، واختبائه بلحية السيد حسن نصر الله، تلك الجرأة تثبت أيضاً فقدان الأسد لأية قيمة أو هيبة حتى بين جمهور الشبيحة.
أهمية كلمة عبد الحق أيضاً تأتي من قدرتها على كشف قذارة الشبيح وقدرته على بيع ولائه في أية لحظة، فكل من انتصر للأسد في بداية الثورة واعتبره سيد الوطن وقائداً فذاً وما إلى ذلك، بدأ اليوم يغير حسابات ولائه ويكشف أسباب ذلك الولاء الذي لم يكن أبداً معتمداً على موقف أو وجهة نظر بل على بيع الذات في المزاد العلني.
وبالطبع، فإن مناقشة فكرة دفاع الإيراني عن الهوية العربية، ستبدو في غاية السذاجة، وليس ثمة ضرورة للخوض في تفاصيلها، لأنها ستبدو مضيعة للوقت وحسب.
ترجمة فورية لرسالة عبد الحق للخامينئي:
رسالة من ممثل شبيح إلى شركات الإنتاج الإيرانية، يود أن يقول لكم أنكم كنتم “أنتم” من مولتم مسلسلاتنا، وكنتم “أنتم” من وقعتم عقود أدوارنا، وأن كل من يحاول ضرب الإنتاج الدرامي التشبيحي ووقف الدولارات القادمة من طهران سنتصدى له بصدور سلاف فواخرجي العارية، وأن مدير إنتاجكم حسن نصر الله وعدنا بأدوار أكثر في المسلسلات القادمة، وإنني على ثقة بأنني سأصل بفضل دعمكم إلى الأدوار الثالثة، وأتمنى “بشي مرة” أن تعطوني دوراً رئيسياً وأعدكم بلعق فضلاتكم وتقبيل الأحذية العسكرية التي ترتديها كل ميليشياتكم إلى أن تتحرر فلسطين في أحد المسلسلات القادمة، فلا تنسونا.
إنه فعلاً عبد الحق الذي يراد به باطل..