في تطور متسارع على الساحة السورية، أفادت مصادر دبلوماسية مطلعة أن روسيا قد جمّدت جهود الوساطة بين النظام السوري وتركيا.
يأتي هذا التطور في ظل تصاعد حدة التوترات في المنطقة، مما يشير إلى إمكانية عودة الملف السوري إلى نقطة الصفر، وسط مخاوف من تصعيد عسكري محتمل في شمال سوريا.
تأثير المتغيرات الإقليمية والدولية:
وفقًا للمصادر، فإن قرار موسكو بتجميد الوساطة يأتي في سياق متغيرات إقليمية ودولية معقدة، فمن جهة، هناك تصاعد في وتيرة الصراع بين إسرائيل وإيران وحلفاء إيران في المنطقة، مما يزيد من حدة التوتر الإقليمي، ومن جهة أخرى، تلقي الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة بظلالها على المشهد، حيث تترقب موسكو احتمالية عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وما قد يترتب على ذلك من تغيرات في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة وتجاه الملف السوري أيضًا.
وفي هذا السياق، أفادت تقارير متطابقة أن روسيا قد طلبت من العراق وقف الاتصالات الجارية بين تركيا والنظام السوري، مشيرة إلى أن روسيا ربما باتت تفضل انتظار نتائج الانتخابات الأمريكية، آملاً في إمكانية استئناف الحوار مع واشنطن في حال فوز ترامب، مما قد يعيد تشكيل خريطة التحالفات والمصالح في المنطقة.
تصعيد عسكري وتدهور إنساني:
وبالتزامن مع هذه التطورات الدبلوماسية والسياسية، شهد الشمال السوري تصعيدًا عسكريًا خطيرًا، حيث أفاد الدفاع المدني السوري بوقوع مجزرة مروعة في إدلب نتيجة غارات جوية روسية استهدفت ورشة لتصنيع المفروشات، مما أدى إلى سقوط عدد كبير من الضحايا والمصابين، وهو ما يعكس تدهور الوضع الإنساني في المنطقة.
وحول ذلك، قال الناشط السياسي “عبد الكريم العمر” لمنصة SY24: إنه “من الواضح أن مسار التطبيع بين نظام الأسد وتركيا قد توقف حاليًا، خاصة بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان والقصف الإسرائيلي على مواقع الميليشيات الإيرانية في سوريا، كل ذلك له تداعيات على المشهد السوري بشكل كامل، ومن الواضح أن موضوع التطبيع قد ألغي أو تم تأجيله بانتظار نتائج الانتخابات الأمريكية وما سينتج عنها”.
توازن العلاقات الروسية التركية:
ورغم ذلك، فإن العلاقة بين روسيا وتركيا لا تزال جيدة، وهناك تفاهمات بين الطرفين في الملف السوري وملفات أخرى على مستوى المنطقة والإقليم، على الرغم من أن العديد من التفاهمات لم تنفذ بعد بخصوص سوريا.
وفيما يتعلق بالأخبار التي تتحدث عن مخاوف روسية من دعم تركي لفصائل المعارضة لشن عمل عسكري ضد الميليشيات وباتجاه حلب، اعتبر “العمر”، أن “موسكو تتحسب من أي عمل عسكري تقوم به المعارضة السورية إذا كان هناك دعم تركي لها لاسترداد حلب ومناطق أخرى من النظام، ورأينا المخاوف الروسية قبل أيام من الأنباء التي تتحدث عن نية المعارضة العسكرية شن عمل عسكري مفاجئ، ومن أجل ذلك، فإن الطيران الروسي لا يفارق سماء الشمال السوري ويقوم بقصف العديد من المناطق وارتكاب المجازر في رسائل تحذيرية لفصائل المعارضة وربما للجانب التركي بعدم القيام بأي عمل عسكري”.
خروقات وقف إطلاق النار وتداعياتها:
ويأتي هذا التصعيد العسكري في خرق واضح لاتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في آذار/مارس 2020.
ويرى محللون أن عدم التزام روسيا والنظام السوري ببنود الاتفاق، خاصة فيما يتعلق بوقف الأعمال العدائية، قد أدى إلى تقويض جهود السلام وزيادة احتمالات التصعيد العسكري.
من جانبه، أبدى رأس النظام بشار الأسد انفتاحه على المبادرات المرتبطة بالعلاقة مع تركيا، مشترطًا احترام سيادة الدولة السورية ومحاربة ما وصفه بـ ”الإرهاب”.
في المقابل، أكد الجانب التركي عدم استعداده للانسحاب من سوريا قبل التوصل إلى حل سياسي شامل، مشددًا على ضرورة تحييد التهديدات التي تشكلها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) على الأمن القومي التركي.
سيناريوهات المستقبل: التعاون أم التصعيد؟
ورأى الباحث في مركز حرمون للدراسات المعاصرة “محمد السكري” في حديثه لمنصة SY24: إن “التصعيد في شمال غرب سورية لم يتطور لدرجة إيقاف مسار التفاهمات الروسية التركية بما فيها التواصل التقني مع النظام السوري، هناك اعتقاد بأن التواصل مع بشار الأسد هو العنوان العريض للمسار، مع أن صلب المسار ينطلق من توافقات أمنية وجيوسياسية متعلقة بكل من روسيا وتركيا وتتخطى حالة الملف السوري وتتقاطع مع المتغيرات الإقليمية وتموضع القوى”.
وأضاف أن “ذلك يدفع للاعتقاد بأن سيناريو توقف الوساطة الروسية صعب، لا سيما أن هذه الوساطة مدفوعة بقناعات إقليمية لدى قوى عربية، ومرتبطة بتفاهمات عميقة أمنية وسياسية ثنائية بين الجانبين”.