ما أسباب استمرار الانفلات الأمني بدرعا؟

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص - SY24

تشهد محافظة درعا جنوب سوريا ومنذ بداية شهر تشرين الأول/أكتوبر الجاري، تصاعداً حاداً في أعمال العنف والاضطرابات الأمنية، مما أدى إلى سقوط العديد من الضحايا المدنيين والعسكريين على حد سواء.

وتشير التقارير الواردة من المنطقة إلى تزايد عمليات الاغتيال والهجمات المسلحة، مما يلقي بظلال قاتمة على الوضع الأمني الهش في المحافظة.

وفي سلسلة من الحوادث المتتالية، تعرضت قوات النظام السوري وعناصر الأجهزة الأمنية التابعة لها لهجمات متكررة.

ففي حادثة وقعت مؤخراً، قُتل أحد عناصر اللواء الثامن التابع لشعبة المخابرات العسكرية وأصيب آخر إثر انفجار عبوة ناسفة على الطريق الواصل بين مدينة إنخل وقرية القنية بريف درعا الشمالي.

وفي حادثة منفصلة، لقي عنصر من اللواء 12 التابع للفرقة الخامسة مصرعه وأصيب ثلاثة آخرون في هجوم مماثل بريف درعا الشرقي.

ولم تقتصر الهجمات على القوات العسكرية فحسب، بل طالت أيضاً العاملين في الأجهزة الأمنية، فقد تم اغتيال أحد العاملين لصالح فرع الأمن العسكري، بعد مداهمة منزله من قبل مسلحين مجهولين في حي المنشية بدرعا البلد، كما قُتل ضابط وأصيب عنصران آخران من اللواء 34 التابع للفرقة التاسعة في هجوم بعبوة ناسفة بريف درعا الشمالي.

وفي تطور لافت يعكس حدة التوتر الأمني، أنشأت قوات النظام نقطة عسكرية جديدة بجانب مبنى البريد في منطقة درعا المحطة بمدينة درعا، والتي تضم ما لا يقل عن 20 عنصراً، وتهدف حسب المصادر المحلية إلى التضييق على حركة السكان وتشديد الرقابة على المنطقة التي تعتبر عقدة وصل بين مناطق عدة أبرزها السوق الرئيسي في المدينة وحي شمال الخط.

ولم يقتصر العنف على استهداف قوات النظام وعناصر أمنه، بل امتد ليشمل صراعات بين المجموعات المسلحة المحلية، ففي مدينة طفس بريف درعا الغربي، اندلعت اشتباكات وُصفت بأنها عنيفة بين مجموعتين محليتين أسفرت عن مقتل شخص وإصابة خمسة آخرين، حيث تركزت الاشتباكات في الحي الغربي من المدينة، حيث حاولت إحدى المجموعات السيطرة على مقار المجموعة الأخرى، مما أدى إلى حالة من الذعر بين السكان المدنيين.

وقالت هدى أبو نبوت، صحفية سورية مهتمة بالشأن السياسي لمنصة SY24: إن “محافظة درعا تشهد ظروفاً أمنية متدهورة من سنوات وتتصاعد باستمرار، وأبرز مظاهر التوتر الأمني يظهر بشكل واسع بالاغتيالات والتي تتدرج من اغتيال شخصيات معارضة كانت منتمية لفصيل مسلح معارض سابق أو شخصيات مدنية محسوبة على المعارضة، كما أن الاغتيالات لا تقتصر على البيئة الحاضنة للمعارضة قبل إعادة سيطرة النظام عليها بعد التسوية الأمنية عام 2021، إنما الاغتيالات تزداد أيضا في صفوف أمنية تابعة للنظام السوري وشخصيات مدنية أو حكومية محسوبة على النظام”.

وأشارت إلى أنه: “في ظل الانفلات الأمني وعدم قدرة النظام على السيطرة الأمنية الكاملة على المنطقة يحاول كل فترة خلق حالة من الخوف بين السكان المدنيين، من خلال حملات أمنية لأكثر المناطق تمردا حتى الآن مثل جاسم وطفس على سبيل المثال، وجملة اعتقالات تزيد من التوتر وتخلق بيئة غير آمنة للسكان أولا وتتسبب بحالات صدام مسلحة بين المؤسسات الأمنية والفصائل المسلحة المعارضة أو ما تبقى منها”.

وبيّنت أن “هناك عدة أسباب لاستمرار الانفلات الأمني، منها عدم قدرة النظام على السيطرة الأمنية على كل المحافظة وتحول المؤسسات الأمنية وأجهزة المخابرات لأساليب ميليشيات بدون إدارة او تنسيق بين هذه المؤسسات، حيث تقوم بتصفيات واغتيالات حسب أجندتها الخاصة، إضافة إلى استمرار أنشطة بعض الفصائل المعارضة والتي أصبحت ذات صفوة محلية، كمجموعات تقف بمواجهة النظام مما يترك المنطقة غارقة بالانفلات الأمني”.

وفي سياق متصل وفي محاولة لاحتواء الوضع المتدهور، افتتحت أجهزة أمن النظام مركزاً جديداً لتسوية أوضاع المطلوبين والفارين من الخدمة العسكرية في مدينة جاسم شمالي درعا.

وسبق افتتاح هذا المركز زيارة للعميد لؤي العلي، رئيس فرع الأمن العسكري التابع للنظام، حيث اجتمع مع الوجهاء وقادة المجموعات المحلية في المدينة.

وحسب ماكينات النظام الإعلامية وادعاءاتها، تم خلال اليوم الأول إجراء تسوية لأوضاع أربعين منشقاً عن قوات النظام من أبناء المدينة إلى جانب ما يقارب من 200 مدني ومن المتخلفين عن الخدمة العسكرية.

في هذا الصدد، قال المحلل الاستراتيجي أحمد الحمادي لمنصة SY24: “محافظة درعا منذ عام 2018 وإجراء التسويات مع النظام الذي لم يتمكن من فرض وبسط سلطته ولم ينعم بالاستقرار في كافة ربوع المحافظة والمنطقة الجنوبية عموما ومحافظة درعا خصوصا، لذا اتبع ربط مجموعات كانت تعمل ضده قبل التسوية بأجهزته الأمنية كما هو حال اللواء الثامن وما يسمى اللجان المركزية ومتفرعاتها لاستخدامها كأذرع أمنية له مع غياب سلطته الهشة في مدن وبلدات وقرى المحافظة ليوجهها ويزجها في أعمال تحقق له ما يريد، و بالمقابل بقي الكثيرون على توجههم الثوري يعملون ثوريا وبشكل سري ضد النظام وأجهزته وأذرعه”.

وأضاف أن “هذا ما أدى لتصاعد الأعمال العنيفة على شكل عمليات ضد قوى النظام وأجهزته وأذرعه من قبل الثوار على شكل استهدافات مباشرة أو زرع العبوات أو الاغتيالات أو غيرها من الأساليب، وهذا ما لاحظناه في الفترة الأخيرة من خلال استهداف الحواجز في انخل و جاسم وغيرها أو استهداف عربات النظام العسكرية والأمنية كما حدث في محيط بصر الحرير وغيرها”.

ولفت إلى أن: “ضغوط مجموعات اللجان المركزية على الأهالي يؤدي ذلك لاستهدافها ومحاولات الاغتيال أو الخطف لعناصرها كما حدث في داعل وإبطع ، ولن نغفل حالات الملاحقات الأمنية والاعتقالات على بعض الحواجز  كما يحدث بين الحين والآخر على حاجز منكت الحطب مما يؤدي لردود أفعال عسكرية ضاغطة للإفراج عمن اعتقل ، وكذلك وجود بعض المجموعات المتناقضة في بعض المدن كطفس والصنمين وجاسم على سبيل المثال، مما يؤدي إلى توترات أمنية فيها ويسقط بعض الضحايا ويؤدي للتوتر العام الذي قد يتخلله إصابة بعض الضحايا المدنيين”.

وأكد على أن: “المشهد العام لما يجري في محافظة درعا يقول بأن سلطة النظام هشة ولم يتمكن منذ التسويات من فرض وبسط سلطته، في حين أن هناك عامل آخر زاد الوضع اشتعالا وهو تجارة المخدرات وممارسيها وعصابات الخطف المدعومين من النظام وبغطاء أجهزته الأمنية والعسكرية الذي أصبحوا ضمن الأهداف المشروعة للثوار كون خطرهم لا يقل عدوانية على المجتمع من النظام نفسه، والذين بنفس الوقت لهم أذرعهم العسكرية الموجهة فوهات بنادقهم مع النظام”.

وبيّن أن: “النظام عندما لم يتمكن من إعادة المحافظة بشكل كامل وناجز لسلطته عن طريق قوته العسكرية وقبضته الأمنية، سعى ويسعى لنسف بنية المجتمع وتمزيقه وإحداث الانقسامات والخلافات والصراعات  المختلفة فيه والتي تظهر أحيانا على شكل صدامات مسلحة، ولكن سرعان ما يتم رأب الصدع وحل الخلاف والعودة إلى جادة الصواب، لذا كانت نتائج أغلب محاولاته بزرع الفتن والقلاقل والشقاق والخلافات تبوء بالفشل، فمجتمعنا في المحافظة على الرغم من كل ما مر عليه مجتمع متماسك وقوي، وعندما تظهر أي حوادث تعكر صفوه سرعان ما يسعى لتطويقها وإخمادها بأقل الخسائر لتعود الحياة لطبيعتها، و هذه كانت الحال منذ اندلاع الثورة السورية في 18 آذار 2011، وسيبقى على هذه الحال فهو مجتمع ثوري بامتياز وشكل الحاضنة الثورية للثورة والثوار منذ انطلاقتها و قدم الكثير من التضحيات وما زال، وسيقدم لأجلها وسيبقى هذا ديدنه حتى تنتصر وتحقق أهدافها”.

ومع هذه الأجواء المشحونة بالعنف، يعاني السكان المدنيون من تبعات الوضع الأمني المتردي، فقد أدى تصاعد أعمال العنف إلى حالة من الخوف والقلق بين الأهالي، الذين يجدون أنفسهم عالقين بين مطرقة العمليات العسكرية وسندان الصراعات بين المجموعات المسلحة المحلية.

ونقلت تقارير متطابقة عن أحد سكان درعا البلد قوله: “نعيش في حالة خوف دائم ولا نعرف متى وأين ستندلع الاشتباكات القادمة أو من سيكون الضحية التالية”.

وأضاف أن “الوضع الأمني المتردي يؤثر على كل جوانب حياتنا، نحن نخشى على أطفالنا عندما يذهبون إلى المدارس، ونتردد في الخروج لقضاء حاجاتنا اليومية”.

وتفاقم الأزمة الأمنية من المعاناة الاقتصادية التي يواجهها السكان، فمع اقتراب فصل الشتاء، يجد الكثيرون أنفسهم عاجزين عن توفير وسائل التدفئة الأساسية بسبب ارتفاع الأسعار.

وفي ظل هذه الظروف القاسية، يلجأ البعض إلى حلول خطيرة، حيث وجدوا أنفسهم مضطرين لجمع قطع بلاستيكية من النفايات لاستخدامها في التدفئة، وذلك رغم خطرها على صحة أطفالهم.

ويسلط الوضع المتدهور في درعا الضوء على الحاجة الملحة لإيجاد حل سياسي شامل للأزمة السورية، فبدون استقرار أمني حقيقي وإصلاحات اقتصادية جذرية، يبقى المدنيون الأبرياء هم الضحية الأولى لدوامة العنف والفقر، في حين تبقى الأسئلة مفتوحة حول مستقبل المنطقة ومصير سكانها في ظل استمرار هذا الوضع المتفجر، بحسب مراقبين.

مقالات ذات صلة