المشهد الأمني في درعا:
تشهد محافظة درعا جنوب سوريا موجة جديدة من الاغتيالات والعمليات الأمنية، في استمرار لمشهد الفلتان الأمني في درعا المتصاعدة منذ سيطرة قوات النظام السوري على المحافظة عام 2018. وتكشف الأحداث الأخيرة عن تعقيد المشهد الأمني في المنطقة التي كانت من أوائل المناطق المنتفضة ضد النظام السوري.
وفي المستجدات، وثقت شبكة “درعا 24” المحلية مقتل خمسة أشخاص خلال الأسبوع الماضي فقط، من بينهم شخصيات بارزة كرئيس بلدية عتمان وقيادي في “اللجنة المركزية” بمدينة نوى، إضافة إلى إصابة أربعة آخرين، مما يعكس استمرار دوامة العنف في المحافظة، حسب مراقبين.
الاغتيالات وأثرها على استقرار درعا:
وفي أحدث حلقات العنف اغتيل قائد مجموعة مسلحة تابعة لفرع “الأمن العسكري” في قوات النظام السوري، وقد تم استهدافه بالرصاص المباشر من قبل مجهولين في مدينة نوى غربي درعا، وفقاً لما أفادت به مصادر متطابقة جنوبي سوريا.
كما تعرض عنصر سابق في الجيش السوري الحر، لإطلاق نار مباشر في مدينة جاسم، مما أدى إلى إصابته في قدميه، ما يسلط الضوء على استهداف العناصر السابقة في المعارضة المسلحة الذين انخرطوا في اتفاقيات التسوية، بحسب ناشطين.
في سياق متصل، نفذ “اللواء الثامن” حملة دهم وتفتيش واسعة استهدفت خيام عشائر البدو في محيط بلدة مليحة العطش، بحثاً عن متهمين بعمليات خطف.
وبرزت ظاهرة الخطف مقابل فدية كإحدى تجليات الانفلات الأمني، حيث تم الإفراج عن شاب من مدينة إنخل بعد دفع فدية قدرها 10 آلاف دولار، في حادثة أدت إلى توترات مع عشائر البدو بعد اتهام بعض أفرادها بالتورط في عملية الخطف.
وفي سياق ذي صلة وفي محاولة لضبط الوضع الأمني. تم إلقاء القبض على “أحمد محمد السالم الشقران”، أحد المتورطين في مقتل الإعلامي “محمود الكفري”، في عملية نوعية نفذها اللواء الثامن قرب بلدة النعيمة، بحسب شبكة “درعا 24”.
وأرجع مهتمون بملف المنطقة الجنوبية استمرار حالة الفلتان الأمني في درعا إلى عدة عوامل رئيسية. من أبرزها: سياسة الأجهزة الأمنية في التخلص التدريجي من عناصر “المصالحات”، تعدد الجهات الأمنية وتضارب مصالحها، استمرار التوترات بين المجموعات المحلية وقوات النظام السوري وميليشياته، ضعف السيطرة الأمنية الفعلية رغم الوجود العسكري للنظام.
الوضع الأمني في درعا وانعكاساته على السكان المحليين:
وعن الآثار والتداعيات لهذه الحالة الأمنية المتردية، أكد أبناء المنطقة الجنوبية أنها تؤدي إلى: استمرار زعزعة استقرار المنطقة، تأثير سلبي على الحياة اليومية للسكان، تقويض جهود إعادة الإعمار والتنمية، واستمرار حالة عدم الثقة بين مختلف الأطراف.
وحول كل تلك الأحداث، أوضح الباحث والصحفي حسام البرم في حديثه لمنصة SY24. أن هناك عملية تصفية حسابات جارية في الجنوب السوري تديرها أطراف متعددة: الإيرانيون، مجموعات حزب الله، النظام والموالون له.
وأشار إلى أن النظام السوري يتخوف بشكل خاص من احتمال نهوض المعارضة في المنطقة، معتبراً ذلك تهديداً كبيراً له ولحلفائه، مع مخاوف من فقدان السيطرة على المنطقة.
ورأى أن الاغتيالات في المنطقة تتجاوز التوجهات السياسية وتختلف حسب الجهة المسيطرة، لافتا إلى أنه مع التطورات في لبنان وغزة. صعّد النظام من حملة الاغتيالات، بينما استغلت جهات محلية الظرف للتخلص من المجموعات الموالية لإيران وميليشياتها.
وتلعب المعطيات والمؤثرات السياسية الإقليمية والدولية، حسب البرم، دوراً في تشكيل الحراك بالجنوب السوري. إذ يستغل النظام حالة الفوضى كفرصة لتصفية حساباته مع عناصر المعارضة السابقين من خلال عمليات الاغتيال.
صراع على النفوذ بين الأطراف المتنازعة شرق درعا:
وتحدث البرم عن الصراع على النفوذ شرقي درعا قائلاً: “يوجد تياران رئيسيان يتنازعان السيطرة في المنطقة.
التيار الأول: الموالي لإيران ويمثله المخابرات الجوية. والتيار الثاني: الموالي لروسيا ويشمل المخابرات العسكرية وأحمد العودة. ويتركز صراعهما على النفوذ والسيطرة في شرقي درعا”.
وأضاف: “تكتسب المنطقة الشرقية من درعا أهمية استراتيجية خاصة للأسباب التالية: موقعها الرابط بين منطقة اللجاة الوعرة وريف دمشق. وقربها من الحدود الأردنية. وأهميتها كخط آمن للتجارة والسلاح والمخدرات. وبسبب هذه الأهمية، تشهد المنطقة صراعات وتصفيات حتى بين عناصر النظام ومجموعاته”.
وأكد البرم على أن موجة الاغتيالات والتوتر الأمني تؤثر بشكل كبير على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للسكان المحليين، حسب تعبيره.
ووسط كل ذلك، تظهر هذه الأحداث المتتالية أن اتفاق “التسوية” الذي أبرم عام 2018 لم ينجح في تحقيق الاستقرار المنشود. وأن المحافظة لا تزال تعاني من تبعات الصراع وتعقيداته الأمنية والاجتماعية.