شهدت المنطقة الحدودية بين سوريا ولبنان تحولاً خطيراً في الآونة الأخيرة، حيث أدت حالة الفوضى المتزايدة إلى تفاقم مشكلة تجارة المخدرات وتهريبها.
وقد كشفت تقارير محلية عن ارتفاع ملحوظ في حجم عمليات التهريب، مصحوباً بزيادة حادة في أسعار المواد المخدرة.
وفي ظل التصعيد الإسرائيلي في لبنان، استغلت شبكات التهريب المرتبطة بـ”حزب الله” الوضع المضطرب على الحدود لتكثيف نشاطها.
وقد أدى هذا إلى ارتفاع غير مسبوق في أسعار المخدرات، حيث تضاعف سعر حبة الكبتاغون في سوريا من 2500 إلى 5000 ليرة سورية، وهو ما يُعزى إلى حاجة “حزب الله” المتزايدة للتمويل.
وتعتبر منطقتا بعلبك والهرمل معقلين رئيسيين لإنتاج الكبتاغون وزراعة الحشيش، وعلى الرغم من تعرضهما للقصف الإسرائيلي المكثف، إلا أن نفوذ حزب الله في المنطقة يوفر حماية شاملة لمصانع المخدرات ومهربيها.
وتتبع شحنات المخدرات مساراً محدداً، حيث يتم تهريبها عبر جرود عرسال في لبنان إلى القلمون الغربي في سوريا، ومن هناك، تتولى ميليشيا “الفرقة الرابعة” نقلها وحمايتها إلى مدينة الضمير في ريف دمشق.
وقد تم استحداث مخازن جديدة تحت الأرض في منطقة “الحرّة” بالبادية السورية، على بعد حوالي 30 كيلومتراً من الحدود الأردنية، وذلك تجنباً للضربات الأردنية المتكررة.
ومع اقتراب فصل الشتاء، الذي يعتبر موسماً مثالياً للتهريب بسبب الظروف الجوية الضبابية التي تعيق مراقبة الحدود، تشير التوقعات إلى احتمال زيادة عمليات تهريب المخدرات إلى الأردن، في حين تؤكد التقارير تورط النظام السوري وشبكات مرتبطة بميليشيات “حزب الله” اللبناني في إدارة هذه العمليات.
وفي هذا الصدد، قال الكاتب والحقوقي عبد الناصر حوشان لمنصة SY24: “بالأصل، هذه المنطقة هي معقل لمنتجي وتجار المخدرات قبل الثورة، وهي إحدى الممرات الدولية لتهريب المخدرات إلى دول المنطقة. ومع دخول ميليشيات حزب الله الحرب إلى جانب النظام، انتقلت زراعة المخدرات وازدادت أعداد المصانع مع ازدياد عدد أفراد شبكات التهريب والترويج، وكانت الأمم المتحدة قد طلبت من النظام السوري واللبناني ضبط الحدود للقضاء على إنتاج وتهريب هذه الآفة، فكان رد النظام عبر شبكاته بزيادة الإنتاج وزيادة كميات المخدرات المهربة إلى دول المنطقة”.
وأضاف: “ومع الحرب الإسرائيلية على لبنان، انتقلت مصانع ومنتجو هذه الآفة إلى سورية، ومنها ما استقر في القصير والقلمون، ومنها ما استقر في حلب وريف دمشق، ومنها من استقر في مناطق اللاذقية، مما زاد في كميات الإنتاج وبالتالي توسّع طرحها في السوق المحلي وعمليات تهريبها إلى الخارج”.
وعلى مدى السنوات الماضية، شهدت سوريا تحولاً تدريجياً إلى ما يمكن وصفه بـ”دولة مخدرات”، حيث توسعت عمليات تصدير حبوب الكبتاغون والحشيش إلى الدول المجاورة، ووصلت الشحنات حتى إلى دول أوروبية وخليجية.
من جهته، قال الباحث في مركز حرمون للدراسات، محمد السكري لمنصة SY24: “عززت موجة اللجوء الكبيرة التي خلفتها الحرب الإسرائيلية على لبنان، من انتشار الفوضى الأمنية، ولا سيما أن لبنان تعاني من الأساس من ضعف كبير في مركزية الدولة والمؤسسات الأمنية، متأثرة بالواقع السوري، حيث كانت الحرب اللبنانية عاملاً جديداً إضافياً في زيادة التدهور الأمني على الحدود السورية- اللبنانية، ولا سيما في ظل انتشار جماعات اللا دولة في البلدين، واعتبار الحدود نقطة عبور من وإلى سوريا ولبنان كمنطقة إسناد خلفي للنظام السوري؛ سواء لأجل عمليات القتال العسكري ضد المعارضة السورية، أو دعم اقتصاد الحرب وخاصة تجارة المخدرات، مع تحول سوريا إلى منتج، مع اعتماد اقتصاد النظام والجماعات العسكرية السورية واللبنانية على تجارة المخدرات لأجل تمويل الفصائل المقاتلة، وبالتالي، عززت الحرب اللبنانية مع حالة الاحتياج لزيادة حالة الإنتاج والتوريد من سوريا ولبنان تجاه الأردن، وقد اتضح ذلك في إعلان الأردن في أكثر من مناسبة على هامش الحرب اللبنانية ضبطها لشحنات مخدرات واستمرارها التعامل مع تلك التهديدات الأمنية، مما يعني أن الحرب اللبنانية تعتبر فرصة للشبكات العاملة في المخدرات وضرورة من أجل التمويل”.
ووسط كل ذلك، يشكل هذا التصاعد في تجارة المخدرات تحدياً أمنياً واجتماعياً خطيراً يتطلب تضافر الجهود الإقليمية والدولية لمواجهته والحد من تداعياته السلبية على المنطقة بأسرها، بحسب مراقبين.