في إدلب، يرمز الزيتون إلى أكثر من مجرد مكون غذائي، فهو جزء من التراث الثقافي ومصدر رزق أساسي للعديد من الأسر. من خلال تحضير مونة الزيتون، تمزج النساء بين التقاليد والإبداع،ما يجعل هذه الحرفة أكثر من مجرد عادة منزلية، بل تعبيرًا عن الصمود والإبداع.
أنواع الزيتون المخصص للمونة
تتعدد أصناف الزيتون المستخدمة في تحضير المونة، وتختلف باختلاف الغرض من الاستخدام، يُعتبر الزيتون المعراوي من أشهر الأنواع المناسبة لمونة الزيتون الأخضر، حيث يتميز بحجمه الكبير ونكهته الغنية، أما الزيتون البلدي، فهو الأكثر استخدامًا في تحضير الزيتون الأسود المملح، ويمتاز بلونه الداكن وطعمه المميز بعد التخليل.
تقول أم إبراهيم، وهي مزارعة من ريف إدلب: “نزرع في حقولنا زيتونًا بلديًا ومعراويًا لأنهما الأفضل للمونة، وكل نوع له طريقة خاصة في التحضير تضمن المحافظة على نكهته”، وتضيف أن اختيار النوع المناسب يعتمد على خبرة النساء في تحديد الغرض من المونة، سواءً للأكل أو التخزين.
طريقة تحضير مونة الزيتون: بين الأصالة والإبداع
تحرص النساء في إدلب على استخدام الطرق التقليدية لتحضير مونة الزيتون لضمان الجودة والنكهة الأصلية، تبدأ العملية بنقع الزيتون في الماء والملح لعدة أيام لتخفيف مرارته، ثم يُضاف إليه خليط من المنكهات الطبيعية مثل شرائح الليمون، الثوم، الجزر، والفلفل الحار.
تقول أم خالد، وهي ربة منزل خمسينية: “تعلمت من والدتي طريقة تحضير الزيتون الأخضر بالليمون والفلفل الحار، لكنني أضفت لمسات خاصة مثل الزعتر الأخضر والخل، مما يجعل المونة فريدة ومميزة لكل من يتذوقها”، وتؤكد أن الأساليب التقليدية ليست مجرد خطوات، بل هي جزء من التراث الذي تسعى لنقله إلى بناتها.
تحضير المونة: فرصة عمل في ظل الأزمات
لم يعد تحضير مونة الزيتون مقتصرًا على الاستخدام المنزلي، بل أصبح مصدر دخل للكثير من النساء اللواتي يعشن ظروفًا اقتصادية صعبة، من خلال بيع منتجاتهن في الأسواق المحلية أو عبر منصات التواصل الاجتماعي، تمكنت العديد من النساء من تأمين دخل ثابت يساعدهن على مواجهة تحديات الحياة اليومية.
تقول السيدة رانيا، وهي أم لثلاثة أطفال: “بدأت بتجهيز مونة الزيتون لأسرتي فقط، ثم لاحظت وجود طلب كبير على المنتجات المنزلية، فقررت بيعها، والآن لدي زبائن يطلبون الزيتون المخلل والطبيعي كل موسم”، وتشير إلى أن هذه المهنة وفرت لها دخلًا يكفي لتغطية احتياجات أسرتها الأساسية.
أهمية المونة في التراث المحلي
لا تُعتبر مونة الزيتون مجرد عمل منزلي أو مصدر رزق، بل هي جزء من التراث المحلي الذي يعكس ثقافة المجتمع في إدلب، تقول أم علي، وهي سيدة تجاوزت الستين من عمرها: “تحضير الزيتون بالنسبة لي استرجاع لذكريات الطفولة، عندما كنا نجتمع لتحضير المونة، وهذه الطقوس تجمعنا حتى اليوم رغم كل الظروف”.
وتؤكد أن المونة تمثل صلة وصل بين الأجيال، حيث تتعلم الفتيات الصغيرات هذه الحرفة من أمهاتهن وجداتهن، مما يضمن استمرارية هذا الإرث التقليدي.
في ظل الصعوبات التي يواجهها أهالي إدلب، يبقى الزيتون رمزًا للصمود والتأقلم، ومن خلال مونة الزيتون، تجمع النساء بين الحفاظ على التراث وتأمين لقمة العيش لعائلاتهن، مؤكِدات أن التراث يمكن أن يتحول إلى فرصة عمل وأمل في المستقبل.
إقرأ أيضاً: إدلب.. ما الأسباب التي دفعت المزارعين إلى حصاد الزيتون مبكرًا؟