شهدت الساحة السورية تحولات جذرية خلال الأيام الأخيرة، حيث تمكنت فصائل المعارضة من تحقيق تقدم ملحوظ في محافظتي حلب وإدلب، مما أدى إلى انهيار كبير في خطوط دفاع قوات النظام السوري. هذا التطور طرح تساؤلات حول العوامل التي أدت إلى هذا التراجع المفاجئ لقوات النظام، وما إذا كان هذا الانهيار نتيجة ضعف داخلي أم ضغوط خارجية.
الأسباب الاستراتيجية لتقدم المعارضة
أرجع المحللون العسكريون نجاح المعارضة إلى ثلاثة عوامل رئيسية:
• التنظيم والإدارة المتقدمة:
وفقًا للباحث سعد الشارع من “مركز الشرق للسياسات”، أظهرت المعارضة انضباطًا استثنائيًا على الصعيد العسكري والإعلامي. أدى ذلك إلى تحسين قدرتها على التخطيط وتنفيذ العمليات بشكل متقن. كما استفادت المعارضة من إدارة لوجستية قوية ساعدتها على توفير الدعم للمدنيين والعمليات القتالية.
• استغلال غياب الدعم الجوي الروسي:
كان الغياب الجزئي للطيران الروسي دورًا أساسيًا في تسهيل عمليات المعارضة. انشغال موسكو بملفات أخرى مثل الحرب في أوكرانيا أتاح للمعارضة فرصة للتحرك السريع وشن هجمات مباغتة دون الخوف من الغارات الجوية الكثيفة.
• ارتباك قوات النظام وغياب العقيدة العسكرية:
يعاني النظام السوري من ضعف التنظيم وتدهور المعدات العسكرية. بالإضافة إلى ذلك، افتقر إلى عقيدة عسكرية واضحة، مما أدى إلى انخفاض الروح المعنوية بين الجنود، وهو ما انعكس في انسحابهم المفاجئ من عدة مواقع.
تكتيكات المعارضة العسكرية
اتبعت فصائل المعارضة استراتيجية عسكرية مبتكرة، تتجنب فيها المواجهات المباشرة مع قوات النظام. عمليات الالتفاف والتوغل السريع كانت محور هذه الاستراتيجية، مما سمح للمعارضة بتحقيق اختراقات عميقة في خطوط الدفاع والسيطرة على مساحات واسعة.
على سبيل المثال، وفقًا لمراسل CNN بين ويدمان، تمكنت المعارضة من السيطرة على 66 قرية غربي حلب خلال أيام قليلة فقط، وهو تطور اعتُبر تغييرًا جذريًا في المشهد الميداني.
تأثير الانسحابات والتحولات الإقليمية
كان للانسحاب الجزئي لقوات حزب الله من سوريا، بسبب انشغالها بقتال إسرائيل، دورًا مهمًا في إضعاف دعم النظام السوري. كما أن الضربات الإسرائيلية المتكررة ضد المواقع الإيرانية في سوريا واستهداف قيادات بارزة أثرت على القدرات العملياتية للحلفاء الإقليميين للنظام.
دور الاتفاقيات الدولية وتراجع الحلفاء
منذ اتفاق وقف إطلاق النار بين روسيا وتركيا في مارس 2020، شهدت المنطقة حالة من الجمود. لكن مع انشغال روسيا في الحرب الأوكرانية، وتراجع الاهتمام الدولي بسوريا، استفادت المعارضة من هذه الفجوة الاستراتيجية لتنفيذ عملياتها، في حين بدا النظام السوري وحلفاؤه غير قادرين على التكيف مع الوضع الجديد.
يظهر انهيار قوات النظام السوري في حلب وإدلب كنتيجة لعدة عوامل متشابكة، أبرزها الضعف الداخلي والغياب الجزئي لدعم الحلفاء، بالإضافة إلى الاستراتيجية العسكرية الفعالة للمعارضة.
تشير هذه التطورات إلى تغير محتمل في موازين القوى في الشمال السوري، مما يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الصراع الذي يبدو أنه سيظل بعيدًا عن الحسم في المدى القريب.