تعاني المناطق المحررة حديثًا في ريفي إدلب وحلب، وكذلك في ريف حماة، من أوضاع إنسانية قاسية نتيجة انعدام الخدمات الطبية بشكل كامل.
هذه المناطق، التي شهدت سنوات من القصف والتدمير الممنهج، لا تزال محرومة من أي مرافق صحية قريبة، مما يزيد معاناة السكان.
استهداف النظام السوري المتعمد للمشافي والمراكز الطبية، وعمليات النهب والتعفيش التي تلت ذلك أثناء سيطرته على هذه المناطق، تركت أثرًا عميقًا على البنية التحتية الصحية، ولم يتم إعادة تأهيل أي من هذه المرافق بعد تحريرها.
اليوم، يواجه الأهالي صعوبات شديدة للحصول على الخدمات الطبية. إذ يُجبرون على التنقل لمسافات طويلة للوصول إلى أقرب مركز صحي، هذا الوضع لا يهدد فقط الحالات الحرجة مثل الجرحى أو المرضى المزمنين، لكنه يعوق أيضًا استقرار الأهالي وعودتهم الدائمة إلى قراهم وبلداتهم.
الواقع الصحي والتحديات التي يواجهها السكان
في المناطق المحررة حديثًا، أصبحت الخدمات الصحية معدومة. المراكز الطبية التي كانت تقدم الدعم الأساسي للسكان دُمرت بالكامل نتيجة القصف الجوي المكثف خلال سنوات الحرب. وبعد تحرير هذه المناطق من قوات النظام، كانت المرافق الطبية عرضة للنهب والتخريب. حيث تم تفكيك المعدات والأجهزة الطبية وبيعها أو نقلها بعيدًا، مما جعلها غير قابلة للاستخدام حتى الآن.
بالإضافة إلى الدمار، لم تكن هناك استجابة كافية من الجهات الفاعلة لإعادة تأهيل هذه المرافق أو إنشاء بدائل قريبة تخدم السكان. نتيجة لذلك، يضطر المرضى والمصابون إلى السفر لمسافات طويلة للحصول على العلاج، وهو أمر يحمل في طياته مخاطر إضافية على حياتهم.
في لقاء خاص لمنصة SY24، تحدثت أم أحمد، وهي امرأة حامل من معرة النعمان بريف إدلب الجنوبي، عن معاناتها أثناء ولادتها: “اضطريت لقطع حوالي 30 كيلومترًا حتى أصل لأقرب مستشفى في مدينة أريحا، الطريق كان طويلًا ومتعبًا، وخلال الولادة كدت أفقد حياتي وحياة طفلي بسبب عدم وجود مركز صحي قريب يقدم أي نوع من الرعاية”.
مثل هذه الحالات أصبحت مألوفة في المناطق المحررة، حيث يفتقر السكان لأي خيارات بديلة، ويعيشون في قلق دائم من حدوث طارئ طبي لا يجدون له حلاً سريعًا.
أثر غياب الخدمات الصحية على العودة والاستقرار
انعدام الخدمات الطبية في هذه المناطق لا يؤثر فقط على صحة السكان، بل يمتد ليمنع الأهالي من العودة إلى قراهم بشكل دائم. الكثير من العائلات التي نزحت خلال سنوات الحرب ترفض العودة إلى مناطقها المحررة حديثًا بسبب غياب أبسط مقومات الحياة، وعلى رأسها الخدمات الصحية. هذه المشكلة تزيد من عزلة القرى والبلدات المحررة وتعيق عملية الاستقرار فيها، مما يجعلها مناطق شبه مهجورة رغم التحرير.
في لقاء آخر مع السيد محمد الأحمد، وهو نازح من ريف حماة، أوضح: “كان حلمي العودة إلى بيتي بعد تحرير قريتنا، لكن مع انعدام المرافق الصحية شعرت بأن الحياة هناك مستحيلة. عندما علمت بعدم وجود أي نقطة طبية أو مركز صحي قريب. فضّلت البقاء في المخيمات رغم صعوبة الحياة فيها”.
غياب المرافق الصحية، وخاصة في المناطق البعيدة والنائية. لا يعرض السكان للخطر فحسب، بل يضعف فرص عودة الحياة إلى طبيعتها في هذه المناطق، ويحول دون إعادة بناء المجتمع فيها.
دور المنظمات والحلول المقترحة
المنظمات الصحية، ورغم بعض المحاولات المحدودة، لم تتمكن من تقديم استجابة فعّالة تلبي احتياجات السكان في هذه المناطق. العقبات اللوجستية، وقلة التمويل، وصعوبة الوصول إلى القرى النائية تجعل هذه الجهود غير كافية.
في هذا السياق، قال الطبيب سامر، أحد العاملين في منظمة طبية محلية بمدينة إدلب: “نعمل جاهدين على توفير نقاط طبية متنقلة، لكن الإمكانيات المتاحة محدودة جدًا، المناطق المحررة تحتاج إلى دعم دولي كبير لإعادة تأهيل المرافق الصحية بشكل كامل”.
مع ذلك، يمكن التخفيف من هذه الأزمة من خلال مجموعة من الخطوات العاجلة. مثل إنشاء نقاط طبية متنقلة قريبة من المناطق المحررة. وتجهيز سيارات إسعاف توفر الرعاية الطارئة للحالات الحرجة. إعادة تأهيل المراكز الصحية المدمرة، وتزويدها بالمعدات الأساسية والكوادر الطبية المدربة. يُعد أيضًا حلاً جوهريًا يُمكن أن يُحدث فرقًا كبيرًا.
إن استمرار انعدام الخدمات الطبية في المناطق المحررة حديثًا يشكل أزمة إنسانية لا يمكن التغاضي عنها. الدمار الذي ألحقه النظام بالبنية التحتية الصحية، والتقصير في إعادة تأهيلها. يضاعف من معاناة السكان، ويحول دون عودتهم إلى مناطقهم واستقرارهم فيها.
الجهود الإنسانية والطبية يجب أن تكون على رأس الأولويات لضمان تقديم الخدمات الصحية الأساسية للسكان. ومنحهم الفرصة للعيش بكرامة وأمان في قراهم وبلداتهم المحررة. الحلول الفورية والمستدامة ليست مجرد ضرورة ملحّة، بل واجب إنساني يُلقي بمسؤولية كبيرة على عاتق المجتمع الدولي والمنظمات الفاعلة.