أعلن وزير المالية في الحكومة المؤقتة محمد أبازيد، أن الحكومة تدرس خصخصة الشركات الحكومية، خاصة تلك التي تعاني من خسائر فادحة، في خطوة تهدف إلى تخفيف العبء عن الاقتصاد الوطني الذي يعاني من تبعات وتحديات كبيرة.
وأشار أبازيد إلى أن أكثر من 70% من شركات القطاع العام ذات الطابع الاقتصادي هي شركات خاسرة، رغم أنها تقدم خدمات حيوية وحصرية للدولة، مثل شركة الكهرباء وشركات معامل الدفاع.
وتأتي هذه التصريحات في إطار الجهود الحكومية لإصلاح الاقتصاد السوري، الذي يعاني من تراجع حاد في الإنتاجية وارتفاع معدلات البطالة، بالإضافة إلى تدهور البنية التحتية.
وأكد الوزير أن الحكومة تعمل على إصدار قوانين استثمار جديدة لجذب الاستثمارات الأجنبية، والتي يُعتقد أنها ستلعب دورًا محوريًا في إعادة إعمار البلاد.
كما نوّه أبازيد إلى أن الأولوية في الفترة المقبلة ستكون لإعادة تأهيل البنية التحتية التي استُنزفت خلال الحرب، بما في ذلك قطاعات الطاقة والمواصلات وشبكات المياه والصرف الصحي والاتصالات، لافتا إلى أن هذه الخطوات ستكون جزءًا من استراتيجية أوسع لتحفيز النمو الاقتصادي.
ويمكن اعتبار خصخصة الشركات الحكومية الخاسرة خطوة ضرورية لتخفيف العبء عن ميزانية الدولة، خاصة أن هذه الشركات تستهلك موارد كبيرة دون تحقيق عائدات تذكر، كما يمكن أن تسهم في تحسين كفاءة هذه الشركات، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتعزيز التطور التكنولوجي والإداري.
بالمقابل، هناك مخاوف من أن تؤدي الخصخصة، خاصة في قطاعات حيوية مثل الكهرباء والمياه، إلى زيادة الأعباء على المواطنين، ما لم ترافقها إجراءات دعم حكومية للفواتير، إذ يمكن أن يؤدي تحويل هذه القطاعات إلى القطاع الخاص إلى ارتفاع تكاليف الخدمات، مما سيؤثر سلبًا على الطبقات الفقيرة والمتوسطة.
وفي هذا الجانب، قال الخبير الاقتصادي، فراس شعبو لمنصة SY24: “إن موضوع الخصخصة لا بد منها، فاليوم هناك الكثير من المؤسسات الفاشلة اقتصاديا وإنتاجيا وإداريا وبالتالي لا قدرة للحكومة في إعادة هيكلتها كون الأمر مكلف ماديا ومن ناحية الوقت، ولذلك لا بد من خصخصة بعض القطاعات ضمن ضوابط ومعايير لتكون رديفا للقطاع العام، كما يمكن أن تتم نقل الملكية إلى جهة أخرى أو نقل الإدارة إلى جهة خاصة وأخذ نسبة منها، بمعنى أنها ليست عملية بيع مطلقة بل يمكن أن تكون خصخصة جزئية ولا مشكلة في هذا الأمر”.
وأضاف: “هذا الأمر سيخفف من الأعباء عن كاهل الدولة وسيزيد من توفر الخدمات للمواطنين، ولذلك لا بد من إعطاء حرية للقطاع الاقتصادي الخاص في ظل وضع القطاع العام المنهك، وبالتالي هذا الأمر سيحسن من رأس المال البشري ومن العمالة ومن القطع الأجنبي وسيحسن من الكفاءات والخبرات، ولكن الأمر بشكل عام يحتاج إلى مؤسسات حكومية قوية تضبط بالقوانين والمعايير الأساسية في مجال الخصخصة”.
وفي السياق، يمكن اعتبار خصخصة معامل الدفاع خطوة إيجابية لدعم الخزينة العامة، شريطة أن تبقى اليد العاملة سورية بحتة، مع الاستفادة من الخبرات السورية الموجودة داخل البلاد وخارجها، ما قد يسهم في تعزيز الإنتاجية وتطوير هذه المعامل باستخدام التكنولوجيا الحديثة.
وتعتبر الخصخصة التدريجية هي الحل الأمثل، حيث تسمح بالانتقال السلس من الإدارة الحكومية إلى القطاع الخاص دون التسبب في اضطرابات اجتماعية أو اقتصادية كبيرة، كما أنها تتيح الوقت الكافي لتطوير سياسات حماية اجتماعية فعّالة، تضمن عدم تسريح العاملين بشكل عشوائي أو التسبب في مشاكل اجتماعية نتيجة فقدان الوظائف.
كما يمكن أن تبقى نسبة مشاركة للدولة في الشركات المخصخصة لا تقل عن 10%، مما يسمح بالاستفادة من خبرة القطاع العام مع الحفاظ على الدور الإشرافي والتوجيهي للحكومة، وهذا مقترح يمكن أن تستفيد منه الحكومة في حال أرادت البدء بالخصخصة.
وفي حال تم إقرار الاعتماد على الخصخصة، يمكن الاستفادة من تجارب دول أخرى في مجال الخصخصة، مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، حيث تم تنفيذ عمليات خصخصة ناجحة مع الحفاظ على التوازن بين مصالح القطاع الخاص والمواطنين، حيث يمكن أن توفر هذه التجارب دروسًا قيمة لسوريا في كيفية إدارة عملية الخصخصة بشكل يحقق الفائدة للاقتصاد الوطني دون الإضرار بالطبقات الاجتماعية الأكثر ضعفًا.
من جهته، قال المختص بالشأن الاقتصادي، محمد غزال لمنصة SY24: “الخصخصة اليوم هي عامل إيجابي بعكس ما كانت عليه في عهد النظام السابق والتي كانت بابا من أبواب الفساد والاستغلال لصالح إيران ولصالح الأسد وآل الأسد، في حين يمكن أن نعتبرها اليوم هي إشراك وإفساح المجال للقطاع الخاص إما في إدارة أو تشغيل أو نقل ملكية الشركات من القطاع العام له”.
وأضاف: “بالنسبة لسوريا يمكن أن تكون الخصخصة على شكل عقود استثمارية طويلة الأجل ما بين شركات القطاع العام مع القطاع الخاص، بحيث تبقى الملكية للقطاع العام الذي يقوم أيضا بدور الإشراف والرقابة على عمل هذه الشركات”، مؤكدا أن الخصخصة في ظل ترهل الدولة السورية خيار إيجابي وجيد لنقل شركات القطاع العام من الخسارة إلى الربح وتقديم الخدمات بجودة أفضل وتقليل الهدر، بالإضافة لاتخاذ القرارات بشكل أسهل وأسرع والانجاز بفترات زمنية سريعة مقارنة بأداء القطاع العام بشكل عام، حسب تعبيره.
ورغم الإيجابيات المحتملة للخصخصة، إلا أن التحديات تبقى كبيرة، فسوريا تعاني من بيئة استثمارية صعبة بسبب العقوبات الدولية وعدم الاستقرار السياسي، بالإضافة إلى ذلك، فإن نجاح عملية الخصخصة يتطلب إطارًا قانونيًا واقتصاديًا قويًا، يضمن الشفافية ويحد من الفساد، وهو ما يعد تحديًا كبيرًا في ظل الظروف الحالية.
وتعتبر خصخصة الشركات الحكومية الخاسرة خطوة جريئة قد تسهم في إنعاش الاقتصاد السوري، لكنها تحتاج إلى تنفيذ مدروس يراعي التوازن بين جذب الاستثمارات وحماية المواطنين من الآثار السلبية المحتملة.
وفي الوقت الذي يمكن أن تكون فيه الخصخصة بوابة لتحسين الكفاءة والإنتاجية، فإن نجاحها مرهون بوجود سياسات داعمة تضمن العدالة الاجتماعية واستقرار الاقتصاد الوطني.