في حادثة مؤلمة جديدة تعكس خطورة ظاهرة إطلاق الرصاص العشوائي، قُتل طفل رضيع يوم أمس في مخيم أبو عبيدة بمنطقة دير حسان شمالي إدلب، وأصيب ثلاثة أشخاص آخرون بطلقات نارية مجهولة المصدر. تسببت هذه الحادثة بحالة من الغضب الشعبي، حيث طالب سكان المخيم والمسؤولون المحليون باتخاذ إجراءات صارمة لوقف هذا الاستهتار بأرواح الأبرياء ومعاقبة المتسببين.
ظاهرة متكررة تهدد حياة المدنيين
لم تكن حادثة دير حسان الأولى من نوعها؛ فقد تكررت حوادث إطلاق النار العشوائي في المناطق السكنية والمخيمات، وحتى بالقرب من المؤسسات الحيوية مثل المشافي والأسواق العامة. خلال الفترة الأخيرة، شهدت مناطق عديدة في الشمال السوري، مثل إدلب وريفها، حالات مشابهة أدت إلى مقتل وإصابة العديد من المدنيين، بينهم أطفال ونساء.
أبو محمد، أحد سكان بلدة حزانو في ريف إدلب، أشار إلى أن ليلة أمس شهدت إطلاق نار كثيف في محيط الدوار الرئيسي للبلدة، ما أثار حالة من الذعر بين السكان. وأضاف: “هذه الظاهرة أصبحت خطراً حقيقياً على الأهالي، ومن غير المقبول أن تستمر دون محاسبة الفاعلين ووضع حد لهذا العبث بحياة الناس”.
أسباب الظاهرة: ممارسات اجتماعية أم فوضى مسلحة؟
رغم أن إطلاق النار العشوائي يُنظر إليه أحياناً على أنه تعبير عن الفرح في مناسبات مختلفة، مثل الاحتفالات بسقوط النظام، أو خروج المعتقلين، أو لمّ شمل العائلات، إلا أن هذه الظاهرة تحولت إلى كابوس يهدد حياة المدنيين. ففي الوقت الذي يحتفل فيه البعض بطريقة غير مسؤولة، يسقط أبرياء ضحايا لرصاصات طائشة، مما يزيد من معاناة المجتمعات المحلية التي تعيش أصلاً تحت وطأة النزوح والفقر والصراعات المستمرة.
في تقرير صادر عن وسائل إعلام محلية بمحافظة درعا، تم توثيق مقتل 61 شخصاً، بينهم 33 مدنياً، خلال شهر كانون الأول الماضي فقط، نتيجة إطلاق النار العشوائي أثناء الاحتفالات. تسلط هذه الأرقام الضوء على خطورة الظاهرة وانتشارها، ليس فقط في الشمال السوري، بل أيضاً في مناطق أخرى تشهد أوضاعاً مشابهة من الفوضى الأمنية.
الآثار المجتمعية والمخاوف المستمرة
محمد زيدان، حقوقي وناشط اجتماعي، قال في حديث خاص: “إن ظاهرة إطلاق الرصاص العشوائي تكرس شعوراً بعدم الأمان لدى السكان، خاصة في المناطق المكتظة مثل المخيمات. وبدلاً من أن تكون هذه المناطق ملاذاً آمناً للنازحين، أصبحت بيئة خصبة للفوضى وغياب القانون. الأمهات يخشين السماح لأطفالهن بالخروج من الخيام، والتجار يبدون قلقاً من تعرض متاجرهم أو بضائعهم للتلف بسبب الرصاص العشوائي، ما يزيد من الأعباء النفسية والاجتماعية على هذه الفئات الضعيفة”.
دعوات للمساءلة وتشديد الرقابة
وسط تزايد هذه الحوادث، باتت المطالب الشعبية واضحة: ضرورة تشديد الرقابة على حيازة الأسلحة واستخدامها في المناطق المدنية. ينادي الأهالي بتفعيل دور الشرطة المحلية والفصائل المسؤولة عن الأمن لضبط هذه الظاهرة والحد من تداعياتها الخطيرة.
يرى زيدان أن الحل لا يقتصر فقط على معاقبة الفاعلين، بل يشمل أيضاً حملات توعية تستهدف المجتمع لتغيير هذه العادات السلبية، بالإضافة إلى تفعيل دور القضاء لمحاسبة المتورطين.
تعكس هذه الظاهرة تحدياً إضافياً للمجتمعات المحلية في الشمال السوري، التي تعاني من نزاعات مستمرة وأوضاع معيشية صعبة. إن استمرار هذا السلوك دون رادع سيزيد من معاناة المدنيين ويعمق الفوضى، ما يتطلب تدخلاً عاجلاً لضمان حماية أرواح الأبرياء.