تباينت آراء الخبراء الروس حول مصير بشار الأسد، حيث رأى الخبير ديمتري بريدجة أن تسليمه مستبعد وفقًا للقوانين الروسية التي تحمي اللاجئين، في حين اعتبر الخبير رولاند بيجاموف أن هذا السيناريو غير ممكن إطلاقًا.
وفي تطور جديد يعكس تعقيدات المشهد السياسي السوري والدولي، طالبت الإدارة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع من روسيا تسليم بشار الأسد ومساعديه المقربين للمحاكمة.
جاء هذا الطلب خلال لقاء جمع الشرع مع المبعوث الروسي الخاص لمنطقة الشرق الأوسط، ميخائيل بوغدانوف، في إطار زيارة الوفد الروسي الأول إلى سوريا منذ سقوط نظام الأسد السابق.
وفقًا للقانون الروسي، يتمتع اللاجئون السياسيون والإنسانيون بحماية من الإبعاد القسري، إلا في حالات ارتكاب جرائم جسيمة مثل جرائم الحرب أو الإبادة الجماعية.
كما ينص الدستور الروسي على منع تسليم المواطنين الروس لدول أخرى، لكنه يسمح بتسليم الأجانب بناءً على اتفاقيات دولية أو في حالات استثنائية، أو إذا كانت هناك اتفاقيات ثنائية بين روسيا والدولة الطالبة للتسليم، أو إذا ثبت أن الشخص يشكل خطرًا على الأمن القومي لروسيا، أو تم إثبات ارتكاب الشخص جرائم ضد الإنسانية قبل طلب اللجوء.
وفي حالة بشار الأسد، فإنه يتمتع بوضع لاجئ إنساني في روسيا، ما يمنحه حماية من الإبعاد القسري، ومع ذلك، فإن القانون الروسي يترك الباب مفتوحًا لتسليمه إذا توافرت الشروط الاستثنائية المذكورة أعلاه.
من الناحية السياسية، فإن تسليم الأسد سيكون قرارًا معقدًا للكرملين، إذ قد يؤدي تسليمه إلى تدمير صورة روسيا كحليف موثوق، خاصة في ظل ترنح سمعتها الدولية بسبب تدخلاتها العسكرية في سوريا وأوكرانيا.
ومع ذلك، فإن بوتين قد يضطر إلى مقاومة ضغوط تسليم الأسد، خاصة إذا كانت هناك مصالح استراتيجية على المحك، مثل الحفاظ على القواعد العسكرية الروسية في سوريا، إذ أن خسارة هذه القواعد ستكون ضربة قوية للنفوذ الروسي في الشرق الأوسط وإفريقيا.
وقبل نحو شهر، كشفت وكالة الأنباء الروسية “تاس”، أن بشار الأسد وصل مع عائلته إلى العاصمة الروسية موسكو وتم منحهم حق اللجوء، لـ”أسباب إنسانية”.
وقال المحلل السياسي الروسي، ديمتري بريدجة لمنصة سوريا ٢٤: “إن تسليم بشار الأسد ليس أمرًا سهلًا فروسيا قد منحته اللجوء بناءً على القوانين الروسية التي تحمي اللاجئين السياسيين والإنسانيين، لكن تبقى التساؤلات حول ما إذا كان قد حصل على اللجوء السياسي أو الإنساني”.
ولفت إلى أن: “روسيا ليست ملزمة بتسليم الأفراد إلى محاكم دولية كونها ليست طرفًا في المحكمة الجنائية الدولية، ولا يوجد طلب من الحكومة السورية لتسليم الأسد، وفي حال صدور مذكرة اعتقال بحق الأسد، قد تتعرض روسيا لضغوط دولية، لكن تاريخ روسيا يشير إلى رفضها لتلك الضغوط”.
يشار إلى أن المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، عن التعليق على مطالب تسليم الأسد، مؤكدًا أن موسكو تعتبر الاتصالات مع دمشق مهمة، في حين أعلنت وزارة الخارجية الروسية أن الجانبين اتفقا على مواصلة المشاورات لتعزيز العلاقات الثنائية والتفاهم السياسي.
ورأى بريدحة أن: “تسليم الأسد قد يكون مقابل صفقة سياسية تشمل رفع العقوبات الغربية، لكن ذلك سيضر بصورة روسيا في الشرق الأوسط، فتسليم الأسد قد يضعف الثقة بين روسيا وحلفائها مثل إيران وحزب الله”.
ولفت إلى سيناريو آخر قد يشمل: “ضغوطاً من الدول الغربية والإقليمية مقابل رفع العقوبات أو الاعتراف بالضم غير الشرعي للقرم مما قد يعيد روسيا للتفاوض، وقد تتم محاكمة الأسد في روسيا أو رفع قضايا ضد روسيا، مما يشكل ورقة ضغط داخلية ضد بقاء الأسد في البلاد”.
وعلى الصعيد المحلي، شددت الإدارة السورية الجديدة على أن إعادة بناء العلاقات مع روسيا يجب أن تعالج أخطاء الماضي وتحترم إرادة الشعب السوري وتخدم مصالحه.
كما ركزت المناقشات على قضايا رئيسية مثل احترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها، وآليات العدالة الانتقالية لضمان المساءلة وتحقيق العدالة لضحايا الحرب.
من جهته، قال رولاند بيجاموف، أستاذ علوم سياسية وعلاقات دولية لمنصة سوريا ٢٤: “باختصار، أستطيع أن أقول إنه في حال كان الحديث عن تسليم بشار الأسد إلى السلطات السورية، فهذا أمر غير قابل للتخيل، فالموضوع يتعلق بالكرامة الشخصية لرئيس بوتين والدولة الروسية كدولة ذات سيادة، ولا يمكن تصور حدوث ذلك، ولذلك، هذا السيناريو مستبعد تمامًا”.
ووسط كل ذلك، فإن قرار تسليم بشار الأسد سيكون قرارًا سياسيًا بالدرجة الأولى، يتجاوز الإطار القانوني، فروسيا التي منحت الأسد اللجوء لأسباب إنسانية، ستوازن بين مصالحها الاستراتيجية في سوريا والمنطقة، وبين الضغوط الدولية والمحلية التي قد تدفعها نحو تسليمه.
وفي الوقت الذي يبدو فيه بوتين غير راغب في تسليم الأسد، فإن الضغوط المتزايدة قد تدفع الكرملين نحو حلول وسطى، مثل تسليمه عبر دولة ثالثة أو التفاوض على تسوية سياسية تحافظ على مصالح روسيا في سوريا.
يذكر أن روسيا تدخلت عسكريا إلى جانب النظام السابق في عام 2015، وتسببت عملياتها العسكرية بمقتل عشرات الآلاف من المدنيين بعد تدمير مدنهم وبلداتهم بالصواريخ المحرمة دوليا.