تشهد العاصمة السورية دمشق انتشارًا غير مسبوق للبسطات العشوائية في مختلف الأحياء والشوارع الرئيسية، حيث باتت هذه الظاهرة أحد أبرز تداعيات الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها البلاد.
ويعود هذا الانتشار إلى غلاء المعيشة وعدم توفر فرص عمل كافية، مما دفع العديد من العائلات إلى اللجوء لهذه الوسيلة لكسب لقمة العيش.
وأكد علي رجب، أحد سكان مدينة دمشق لمنصة سوريا ٢٤، أن معظم الأماكن المتاحة في المدينة بما فيها الساحات العامة وأطراف الشوارع مثل المزة، البرامكة، ابن عساكر، ونهر عيشة، أصبحت مليئة بالبسطات العشوائية.
وأوضح أن هذه الظاهرة تزداد بشكل يومي، مع إقبال الناس عليها نظرًا لحاجتهم الملحة لتوفير متطلباتهم اليومية بأقل التكاليف.
ومع ذلك، أشار رجب إلى أن القدرة الشرائية لدى الأهالي أصبحت شبه معدومة بسبب تدهور الوضع الاقتصادي.
وأضاف أن أسعار المواد المعروضة على البسطات لا تختلف كثيرًا عن أسعار الأسواق العادية، إذ تتأثر بشكل مباشر بتخبط أسعار صرف الليرة السورية مقابل الدولار، فمع كل ارتفاع في سعر الدولار، ترتفع الأسعار بشكل ملحوظ، لكنها تبقى مرتفعة حتى عند انخفاض العملة الأجنبية، مما يزيد من معاناة المواطنين.
وتباينت الآراء حول انتشار البسطات بين مؤيد ومعارض، فمن جهة، يعتبر البعض أن هذه البسطات أصبحت مصدر رزق أساسي للكثير من العائلات الفقيرة، خاصة في ظل غياب بدائل اقتصادية مستدامة.
وفي هذا السياق، أكد رجب أن منع أو عدم تنظيم هذه البسطات سيؤدي إلى مشاكل اقتصادية كبيرة، لأنها تمثل مصدر دخل وحيد لكثير من الأسر في دمشق وخارجها.
من جهة أخرى، هناك من يرى أن هذه الظاهرة أضرت بالمظهر العام للمدينة، وساهمت في بيع منتجات مجهولة المصدر وغير مطابقة للمواصفات الصحية، مما يشكل خطورة على صحة المواطنين والاقتصاد المحلي.
وقال محمد حلاق، عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق، في تصريحات سابقة له، إن انتشار البسطات يُعتبر خطأ كبيرًا بسبب عدم ضمان جودة المنتجات المطروحة، والتي قد تكون ضارة أو غير صالحة للاستخدام، مشيرا إلى أن المرحلة الحالية استثنائية، ويجب الانتظار حتى استقرار السوق.
ومؤخرًا، عُقد اجتماع في مكتب محافظ دمشق مع وفد من غرفة تجارة دمشق برئاسة باسل الحموي، لمناقشة القضايا الاقتصادية والتنظيمية في العاصمة.
وتناول الاجتماع مشكلة انتشار البسطات العشوائية وتأثيرها السلبي على الأسواق، بالإضافة إلى الازدحام المروري وتنظيم حركة الشاحنات والدراجات النارية، حيث أبدى المشاركون قلقهم بشأن هذه الظاهرة، ودعوا إلى وضع حلول تنظيمية فعالة.
واشتكى العديد من سكان دمشق من انتشار البسطات بشكل عشوائي في الشوارع والساحات الرئيسية، مشيرين إلى أنها تسبب إزعاجًا كبيرًا للمواطنين وتؤثر على المظهر الحضاري للمدينة.
وأكد بعضهم أن هذه البسطات تتسبب في تعديات على الأملاك العامة، وتجمع القمامة بجانبها، فضلًا عن عرقلة حركة السير في بعض المناطق.
ويأتي هذا الاستياء في وقت تستقبل فيه دمشق زيارات رسمية ووفود دولية لأول مرة بعد 14 عامًا من الانقطاع، ما يجعل من الضروري الحفاظ على صورة المدينة أمام الزائرين، حيث طالب المواطنون محافظة دمشق بمعالجة هذه المشكلة بشكل عاجل.
وفي سياق متصل، أعلن مجلس محافظة دمشق عن إطلاق حملة يومية لإزالة الإشغالات والتعديات على الأملاك العامة والأرصفة.
وذكر المجلس أن ورشات مديريات دوائر الخدمات تعمل بالتنسيق مع قسم شرطة المحافظة لإزالة الإشغالات المنتشرة في شوارع رئيسية مثل شارع النصر والثورة، حيث تم تنظيم عدة ضبوط بحق المخالفين.
ويعكس انتشار البسطات العشوائية في شوارع دمشق أو غيرها من المحافظات السورية واقعًا اقتصاديًا مريرًا يعيشه المواطنون السوريون.
وفي هذا السياق، قالت بتول حديد باحثة في الشأن الاقتصادي والاجتماعي لمنصة سوريا ٢٤: “إن الأسعار ما تزال مرتفعة والناس بشكل عام تعاني من ضائقة اقتصادية كبيرة، ومن كان يعول على الحوالات الخارجية باتت قيمتها اليوم لا تتناسب مع القدرة الشرائية بسبب عدم استقرار الليرة السورية”.
وأضافت: “أن انتشار البسطات العشوائية سببه غياب الرقابة أولاً، والسبب الآخر حاجة الناس لتأمين مصدر رزق في ظل حالة الفقر والجوع التي تلقي بظلالها على السوريين داخل سوريا”.
وبينما تعتبر هذه الظاهرة متنفسًا اقتصاديًا لبعض العائلات، فإنها تطرح تحديات كبيرة على مستوى التنظيم والصحة العامة، لذا تحتاج السلطات إلى وضع خطط استراتيجية تعالج الأسباب الجذرية لهذه المشكلة، وتضمن في الوقت ذاته الحفاظ على حقوق المواطنين وسلامة المدينة.