بعد سنوات طويلة من العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، بدأت مؤشرات إيجابية بالظهور في الأفق مع قرارات أوروبية وأمريكية بتخفيف بعض القيود.
هذه الخطوات، وإن كانت محدودة، قد تمثل فرصة حقيقية لتحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي في البلاد، لكنها ليست الحل السريع الذي سيضع حدًا لجميع التحديات، بينما يؤكد الخبراء الاقتصاديون أن الاستفادة من هذه الفرصة تتطلب خطوات مدروسة وإصلاحات هيكلية شاملة.
وأمس الإثنين، أعلن الاتحاد الأوروبي تعليق العقوبات الاقتصادية التي استهدفت لسنوات عديدة قطاعات اقتصادية حيوية في سوريا. شمل القرار رفع القيود عن قطاعات رئيسية مثل الطاقة (النفط والغاز والكهرباء) وقطاع النقل، بالإضافة إلى خمس جهات سورية كانت تخضع لتجميد الأموال والموارد الاقتصادية، وهي: المصرف الصناعي، مصرف التسليف الشعبي، مصرف الادخار، المصرف الزراعي التعاوني، ومؤسسة الطيران العربية السورية.
وتأتي هذه الخطوة في سياق متغيرات دولية وإقليمية، حيث بدأت الدول الغربية بإعادة النظر في سياساتها تجاه سوريا، خاصة بعد سنوات من الحرب التي دمرت البنية التحتية وأثرت بشكل كبير على حياة المواطنين.
وحول ذلك، قال الخبير الاقتصادي الدكتور فراس شعبو في حديثه لمنصة سوريا ٢٤: “إن موضوع التعافي هو موضوع كبير جدًا، ولا يزال أمامنا طريق طويل، فالعقوبات ما زالت قائمة سواء الأوروبية أو الأمريكية، والأمريكية هي الأشد خاصة فيما يتعلق بنظام (السويفت)، لكن رفع بعض العقوبات يعتبر خطوة إيجابية، وهي فرصة يجب استغلالها بحذر، ومع ذلك، يجب أن نركز على هذا الموضوع لأنه ليس الحل السحري الذي سيحل جميع مشاكلنا”.
وقبل شهرين، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية عن إصدار تراخيص تسمح بإجراء معاملات مع المؤسسات الحكومية السورية، بما في ذلك بعض معاملات الطاقة، لمدة 6 أشهر.
وأوضح البيان أن الترخيص الجديد يهدف إلى تسهيل تدفق الأموال لدعم الاحتياجات الإنسانية والاقتصادية للشعب السوري، بما في ذلك التحويلات الشخصية عبر البنك المركزي السوري.
وقبل إعلان وزارة الخزانة بيومين، كشف مصدر خاص في وزارة الخارجية الأمريكية في حديثه لمنصة سوريا ٢٤، عن دراسة واشنطن رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا بشكل تدريجي. ورغم أن هذه الإجراءات تُظهر نية لتخفيف الضغط، لا تزال محاطة بشروط صارمة وتستهدف فقط القطاعات الإنسانية والخدمية.
وفي هذا الجانب، قال المختص بالشأن الاقتصادي الدكتور عبد الحكيم المصري في حديثه لمنصة سوريا ٢٤: “حياة الناس صعبة والوضع الاقتصادي يزداد تعقيدًا، وهذا الإجراء غير كافٍ ولا يلبي الاحتياجات المطلوبة، فالعقوبات الاقتصادية تؤثر بشكل كبير على التحويلات الشخصية، سواء كانت من خلال البنوك أو غيرها”.
ورغم الإشارات الإيجابية، فإن الطريق نحو التعافي الاقتصادي في سوريا مليء بالتحديات، وأول هذه التحديات هو الفساد المستشري في مختلف القطاعات، والذي يتطلب إصلاحات تشريعية وتنظيمية شاملة، كما أن إعادة الإعمار تحتاج إلى استثمارات ضخمة، وهو ما يتطلب بيئة اقتصادية مستقرة وسياسات اقتصادية واضحة.
بدوره قال شعبو: “إن اقتصاد الحرب يتطلب حماية الملكية الخاصة، وضع ضوابط ضريبية عادلة، تقديم حوافز تشجيعية، وإعادة إعمار البنية التحتية، وبالطبع، فإن رفع العقوبات سيسرع من عملية إعادة الإعمار، وسيعزز الثقة في الاقتصاد السوري، ويساهم في تحسين الموارد الطبيعية وإصلاح ما تم تدميره خلال السنوات السابقة”.
ويمكن أن يكون دخول الاستثمارات الأجنبية إلى سوريا يمكن أن يكون عاملاً حاسمًا في تعزيز الاقتصاد وتحسين الوضع المعيشي والخدمي. ومع ذلك، فإن تحقيق هذا الهدف يتطلب قرارات فعالة وإدارة حكيمة تستفيد بشكل كامل من فرصة رفع العقوبات.
وفي هذه النقطة قال المصري: “نحن بصراحة نتحدث عن تحويلات السفارات وبعض الإجراءات التي يتخذها البنك المركزي، هذه الخطوة تعتبر جيدة وهي بداية قد تفتح المجال أمام خطوات أخرى لاحقة تسهم في تحسين الوضع المالي والاقتصادي، وربما تكون هذه الخطوة بداية للمساعدة في تخفيف الضغط على المواطنين”.
ووسط كل ذلك، يمثل رفع العقوبات الأوروبية والأمريكية عن بعض القطاعات في سوريا يمثل خطوة مهمة نحو التعافي الاقتصادي، لكنه ليس نهاية الطريق، في حين يرى شعبو أن: “الموضوع ليس سهلًا، فهو يحتاج إلى بيئة تشريعية وتنظيمية قوية لجذب المستثمرين وتغيير طبيعة الاقتصاد كما يجب”.
ولتحقيق الاستفادة الكاملة من هذه الفرصة، يجب على الحكومة السورية اتخاذ خطوات جادة لمكافحة الفساد، تحسين البيئة التشريعية، وتشجيع الاستثمارات الأجنبية. كما أن التعاون الدولي سيكون ضروريًا لضمان استدامة هذه الجهود.
في النهاية، يبقى السؤال: هل ستتمكن سوريا من استغلال هذه الفرصة لتحقيق التعافي الاقتصادي؟ الإجابة تعتمد على القرارات التي سيتم اتخاذها في المرحلة المقبلة.