في مشهد يعكس حجم الكارثة الإنسانية، فارقت الطفلة الرضيعة بنت إسماعيل حسن الجمعة الحياة بسبب البرد القارس في مخيم جرجناز بكللي، لتكون شاهدة أخرى على حجم المأساة التي يعيشها سكان المخيمات في ظل غياب الدعم والإهمال المستمر.
إذ تفاقمت معاناة آلاف النازحين في مخيمات شمال سوريا مع استمرار موجة البرد القاسية التي ضربت المنطقة، حيث باتت الخيام المهترئة عاجزة عن حماية ساكنيها من درجات الحرارة المنخفضة الصقيع، ويزداد الواقع المعيشي في المخيمات سوءًا مع تفاقم الفقر وارتفاع أسعار المواد الأساسية، حيث أصبح تأمين مستلزمات التدفئة حلمًا بعيد المنال لمعظم العائلات النازحة.
فقد أدت الأوضاع الاقتصادية المتردية وغلاء أسعار مواد التدفئة مثل قشر اللوزيات، والحطب والوقود إلى اعتماد الكثيرين على مواد بديلة غير آمنة، مثل البلاستيك والنفايات، ما يشكل خطرًا على صحتهم في ظل غياب الدعم الإغاثي وانعدام فرص العمل، يجد الأهالي أنفسهم عاجزين عن مواجهة برد الشتاء القارس، بينما تتكرر المآسي دون حلول تلوح في الأفق.
أوضاع خدمية متردية ومأساة متواصلة
لا تقتصر المعاناة على البرد فقط، بل تتفاقم بسبب الوضع الخدمي المتدهور في المخيمات، فالنفايات تتراكم في الأزقة وبين الخيام دون ترحيل، مما يزيد من مخاطر انتشار الأمراض، بينما تعاني الحفر الفنية للصرف الصحي من فيضانات وتسربات تلوث البيئة المحيطة، بسبب عدم تفريغها بين الحين والآخر وسط غياب أي حلول من الجهات المسؤولة، حسب ما أكده مدير مخيم سكني في منطقة كلبيد شمال إدلب لمنصة سوريا 24.
كما أدى توقف دعم المنظمات الإنسانية إلى انقطاع خدمات المياه منذ أشهر، حيث يضطر السكان إلى الاعتماد على مصادر غير آمنة، مما يهدد بانتشار الأمراض المرتبطة بتلوث المياه، ورغم المناشدات المتكررة من الأهالي، إلا أنها لم تلقَ آذانًا صاغية، في ظل عجز إدارات المخيمات عن إيجاد حلول بسبب غياب الموارد والدعم.
عجز الجهات المسؤولة واستمرار الأزمة
في حديث خاص لمنصة “سوريا 24“، أكد مدير دائرة الخدمات الفنية في التنمية بمنطقة عقربات شمال إدلب أن توقف مشاريع المنظمات الإنسانية وتوجهها نحو باقي المحافظات أدى إلى تفاقم الأوضاع بشكل غير مسبوق، مشيرًا إلى أن أكثر من 500 مخيم في منطقة أطمة وحدها توقفت عنها الخدمات بشكل كامل، مما جعل أوضاعها “مزرية للغاية”، في ظل غياب أي حلول حقيقية لتحسين الواقع المعيشي للنازحين.
مدراء المخيمات، الذين يفترض أن يكونوا الجهة المسؤولة عن تحسين الأوضاع، يؤكدون عدم قدرتهم على فعل شيء في ظل غياب الدعم الكافي وفق تقرير سابق لمنصة سوريا 24، كما أن الجهات المعنية بالتنمية والخدمات لا تزال عاجزة عن تقديم أي حلول حقيقية، ما يجعل الأزمة تتفاقم مع كل يوم يمر.
ويعكس هذا الوضع إهمالًا واضحًا لملف النازحين، الذين يعيشون في ظروف قاسية دون أي تحركات جدية لإنهاء معاناتهم. وبينما تزداد برودة الطقس، يزداد الخطر على الأطفال وكبار السن، الذين يجدون أنفسهم في مواجهة الموت بسبب نقص التدفئة وسوء الخدمات.
لم تكن وفاة الطفلة الرضيعة الأولى من نوعها، وقد لا تكون الأخيرة في ظل الظروف الحالية، ومع استمرار موجة البرد، تتزايد المخاوف من وقوع المزيد من الضحايا، وسط غياب أي تحركات جدية من الجهات المسؤولة والمنظمات الإغاثية.