أصدر الرئيس السوري أحمد الشرع قراراً بتشكيل “مجلس الأمن القومي”، وهي هيئة جديدة تهدف إلى تنسيق وإدارة السياسات الأمنية والسياسية في البلاد التي تمر بمرحلة بالغة الحساسية.
ويأتي هذا القرار في أعقاب تطورات متسارعة شهدها الساحل السوري، إضافة إلى توقيع اتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ما يعكس محاولة لترتيب الأولويات الأمنية في ظل تهديدات داخلية وخارجية متصاعدة. فما أهمية هذه الخطوة؟ وما أبعادها الاستراتيجية والتحديات التي قد تواجهها؟
ما هو الأمن القومي؟
الأمن القومي ليس مجرد مصطلح عسكري، بل هو مفهوم شامل يشمل حماية الدولة من التهديدات الداخلية والخارجية على كافة الأصعدة: السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، وحتى البيئية. ويهدف إلى ضمان استقرار الدولة وسيادتها، مع التركيز على مصالحها العليا وقدرتها على مواجهة الأزمات.
وفي الحالة السورية، يصبح الأمن القومي بمثابة العمود الفقري لأي محاولة لإعادة البناء أو تحقيق الاستقرار. كما أن تشكيل هيئات مثل مجلس الأمن القومي غالباً ما يكون خطوة لتأطير هذا المفهوم ضمن إطار مؤسساتي يضمن التنسيق بين الأجهزة المختلفة ويوفر رؤية استراتيجية موحدة.
ووفقاً لبيان رئاسة الجمهورية السورية، سيرأس الرئيس أحمد الشرع المجلس، الذي سيضم وزراء الخارجية والدفاع والداخلية ومدير الاستخبارات العامة، إلى جانب مقاعد استشارية وتقنية يعينها الرئيس بناءً على الكفاءة والخبرة.
أزمات داخلية وتهديدات خارجية
ولم يأتِ تشكيل المجلس من فراغ، فقد شهد الساحل السوري، المعقل التقليدي للنظام السابق، توترات دامية في الأيام الأخيرة أثارت مخاوف من تفاقم الاضطرابات الداخلية.
وفي الوقت نفسه، وقّعت الحكومة السورية اتفاقاً مع “قسد”، التي تسيطر على مناطق واسعة في الشمال الشرقي، في خطوة قد تشير إلى مساعٍ لتوحيد الجبهة الداخلية أمام التحديات المشتركة. وفي ظل التهديدات الخارجية المستمرة، لا سيما من إيران وإسرائيل، يبدو أن دمشق تسعى لتعزيز قدرتها على الاستجابة السريعة والمنسقة.
وفي هذا السياق، يقول المتخصص في الإدارة والتخطيط الاستراتيجي، زكريا ملاحفجي، في حديثه لمنصة “سوريا 24“: “تشكيل مجلس الأمن القومي جاء استجابةً لما حصل في الساحل، من أجل تنسيق العمل بين المؤسسة العسكرية والأمنية والشرطية والتنبؤ بالمخاطر قبل وقوعها واتخاذ التدابير اللازمة لذلك.”
وأضاف: “وكما هو معروف، الاستعداد للحرب يجنبك الحرب”، مشيراً إلى أن هذه الخطوة قد تكون محاولة لاستشراف المخاطر في وقت تشهد فيه سوريا تهديدات إيرانية وإسرائيلية متزايدة.
أهمية المجلس: تنسيق أم استشارة؟
وقد يكون تشكيل المجلس خطوة حاسمة لتعزيز الأمن القومي، وسط تباين الآراء حول دوره ومدى فعاليته.
يقول ملاحفجي: “القرار الاستراتيجي إذا تأخر عن وقته ارتفعت تكلفته وقلَّ أثره، فالقرارات في وقتها وقراءة المشاكل وتوقع حصولها قبل وقوعها الفعلي وتقديم رؤى وأفكار تعزز الأمن القومي واستشراف المستقبل، لا سيما مع وجود تهديد إيراني إسرائيلي لسوريا.”
ويرى ملاحفجي أن الهدف الأساسي هو التنبؤ بالمخاطر واتخاذ التدابير الاستباقية، وهو ما قد يعزز قدرة الدولة على مواجهة التحديات.
من جانبه، قدّم الباحث عمار فرهود رؤية تحليلية أكثر تفصيلاً، إذ قال: “بصراحة، حتى الآن لم تحدد السلطة مهمة هذا المجلس، لكنني أعتقد أنه سيكون ذا طبيعة استشارية، بحيث تكون مخرجاته مُعلِمة وليست مُلزِمة للرئيس.”
وأعرب فرهود، في حديثه لمنصة “سوريا 24“، عن توقعاته قائلاً: “أعتقد أن المجلس سيكون قناة التنسيق الرئيسية بين هذه المؤسسات السيادية، التي تُعد بمعظمها مسلحة، باستثناء وزارة الخارجية التي ستقوم بتأطير مخرجات المجلس وفق السياسة الخارجية للدولة.”
وقد يكون المجلس أداة لتجنب الصدام بين الأجهزة المختلفة، حسب فرهود، الذي أضاف: “كما أن المجلس، في الوقت نفسه، سيكون ضامناً لعدم وقوع حالة صدام أو تنافس بين هذه الأجهزة في معالجتها للملفات الحساسة في البلد، وبنفس الوقت سيكون المجلس، برئاسة الرئيس، قادراً على توزيع المهام على هذه المؤسسات بما يخدم الرؤية الاستراتيجية للدولة.”
التحديات: التمثيل والفعالية
ورغم الأهداف المعلنة، يواجه المجلس انتقادات وتحديات قد تعيق تحقيق أهدافه.
يقول فرهود: “ما يُؤخذ على هذا المجلس أنه يتكون من لون سياسي واحد، ومن المقربين من الرئاسة، وهذا قد يثير حفيظة باقي الشركاء في العملية السياسية السورية، ويدفعهم إلى الشعور بالإقصاء، وبالتالي اتخاذ إجراءات أحادية الجانب تجاه ملفات الأمن القومي، استناداً إلى وجهة نظرهم الخاصة وليس إلى رؤية المجلس.”
ما يعكس مخاطر تركيبة المجلس التي قد تبدو محدودة التمثيل، مما قد يثير استياء القوى الأخرى في المشهد السوري المعقد. في المقابل، يرى ملاحفجي أن نجاح المجلس مرهون بقدرته على تقديم رؤى استباقية، لكنه لا ينفي أهمية التنسيق الفعال بين الأجهزة المختلفة لضمان تحقيق الأهداف المرجوة.
جسر للاستقرار أم حلقة جديدة في المشهد السوري؟
يمثل تشكيل مجلس الأمن القومي في سوريا خطوة استراتيجية قد تكون حاسمة في تعزيز التنسيق بين المؤسسات السيادية ومواجهة التحديات المتفاقمة، سواء في الساحل أو على الحدود مع إيران وإسرائيل. لكن نجاحه يبقى مرهوناً بقدرته على تجاوز الطابع الاستشاري إلى دور تنفيذي فعال، ومدى استعداده لتوسيع قاعدته التمثيلية لتشمل أطرافاً أخرى في العملية السياسية.
وبين رؤية ملاحفجي، التي تركز على التنبؤ بالمخاطر والاستعداد لها، وتحذير فرهود من مخاطر الإقصاء، يبقى السؤال مفتوحاً: هل سيكون المجلس جسراً للاستقرار في سوريا، أم مجرد حلقة جديدة في سلسلة التحديات التي تعصف بالبلاد؟ الإجابة برسم نتائج هذه الخطوة على أرض الواقع.