الإعلان الدستوري الجديد في سوريا من وجهة نظر خبراء قانونيين

Facebook
WhatsApp
Telegram

SY24 -خاص

أجمع عدد من الخبراء القانونيين في حديثهم لمنصة سوريا ٢٤، على أن الإعلان الدستوري للجمهورية العربية السورية يمثل خطوة هامة نحو ترتيب البيت الداخلي، لكنه يظل عرضة للنقاش والجدل بشأن مواده وآليات تطبيقها.

وأعلن الرئيس السوري أحمد الشرع الإعلان الدستوري الذي يرسم المرحلة الانتقالية، مبنيًا على فصل السلطات واستقلال القضاء، مع تبني نظام رئاسي يلغي منصب رئيس الوزراء لمنح الرئيس صلاحيات تنفيذية مباشرة.

ويضمن الإعلان الحريات السياسية والإعلامية وتشكيل الأحزاب بحرية، مؤكداً وحدة الدولة السورية ورفض الانفصال أو التدخل الخارجي، كما أدان حقبة نظام الأسد السابق، مشدداً على العدالة الانتقالية وإنصاف الضحايا وإعادة الإعمار وحماية الملكية لإنهاء آثار النزاع.

وسلّمت لجنة صياغة الإعلان الدستوري، في 13 آذار/مارس الجاري، مسودته المكونة من 44 مادة إلى الرئيس الشرع، حيث وتضمنت المواد الفصل بين السلطات واعتبار الفقه الإسلامي المصدر الرئيسي للتشريع وتشكيل لجنة لكتابة دستور دائم، مع عدم السماح بعزل رئيس الجمهورية خلال ولايته.

إطار انتقالي بمزايا وعيوب

وقدّم المستشار القانوني المحامي علي رشيد الحسن تحليلًا معمقًا للوثيقة، حيث يرى في حديثه لمنصة سوريا ٢٤، أنها تحمل طابعًا مؤقتًا يتماشى مع الظروف الانتقالية التي تمر بها سوريا: “الإعلان الدستوري في سوريا هو وثيقة مؤقتة تُستخدم عادة خلال فترات الانتقال السياسي أو الأزمات الدستورية، حيث تُحدد المبادئ الأساسية للحكم وتنظيم السلطات إلى حين وضع دستور دائم”.

وأوضح الحسن أن من بين المحاسن: “يوفّر الإعلان الدستوري أساسًا قانونيًا يحكم البلاد خلال فترة انتقالية، مما يمنع الفراغ الدستوري”، مشيرًا إلى أن “مرونة التغيير” تتيح تعديله بسهولة أكبر من الدستور الدائم ليتلاءم مع المتغيرات السياسية.

كما اعتبر أنه: “يمكن أن يكون مقدمة لصياغة دستور جديد يعكس طموحات الشعب بعد سقوط نظام استبدادي”، مضيفًا أنه “قد يحدّ من صلاحيات المؤسسات السابقة ويمنح صلاحيات جديدة لهيئات انتقالية تضمن التغيير الديمقراطي”، وأن صياغته بطريقة توافقية “قد تعزز ثقة المواطنين بالعملية السياسية والانتقال السلمي للسلطة”.

لكنه حذّر من بعض المساوئ، قائلًا: “كونه وثيقة مؤقتة، فقد يفتقر إلى الوضوح في آليات تطبيقه، ما يخلق حالة من عدم الاستقرار القانوني”، مشيرًا إلى أن “بعض القوى السياسية قد تستغل الإعلان الدستوري لصالحها، خاصة إذا صيغ بطريقة تمنح امتيازات لجهة دون أخرى”.

وأضاف: “قد يؤدي إلى تداخل الصلاحيات بين الجهات الانتقالية، مما يعرقل الحكم الفعّال”، موضحًا أنه “غالبًا ما يكون عامًا ومختصرًا، ما يجعله غير كافٍ لحل قضايا معقدة مثل العدالة الانتقالية وحقوق الأقليات”، وحذّر في ذات الوقت من أن “إمكانية تأجيل الدستور الدائم قد تطيل المرحلة الانتقالية، مما يخلق فراغًا قانونيًا دائمًا”.

وخلص إلى أن: “نجاح الإعلان الدستوري يعتمد على مدى توازنه وشموله لجميع الأطراف. إذا صيغ بتوافق ووضوح، يمكن أن يكون أداة فعالة للعبور نحو دستور دائم يعكس إرادة الشعب، أما إذا استُخدم كأداة لتعزيز سلطة فئة معينة، فقد يؤدي إلى أزمات جديدة بدلًا من حل المشكلات القائمة”.

خطوة مبشرة مع تحفظات

ووسط هذا النقاش، برز موقف الخبير القانوني أنور البني الذي يرى  في حديثه لمنصة سوريا ٢٤، أن الإعلان أمل لتثبيت المرحلة الانتقالية، لكنه يحمل تحفظات حول بعض تفاصيله: “أرحب بهذا الإعلان الدستوري المؤقت كما يتوجب تسميته لتستقر وتنجح المرحلة الانتقالية”، مشيرًا إلى عدة نقاط إيجابية، منها: “نص على إنشاء هيئة للعدالة الانتقالية، واعتبر الاتفاقيات الدولية جزءًا من الإعلان وحدد مدة الفترة الانتقالية واعترف بضرورة وجود الأحزاب والجمعيات، فكل ذلك مسائل مبشرة”.

لكنه سجّل تحفظات، موضحًا: “تجاوز الإعلان الدستوري لدوره كإعلان دستوري ليتحول إلى دستور مصغر، حيث حدد مسبقًا اسم الجمهورية ومصادر التشريع وسلطات الرئيس، بذلك صادر إرادة السوريين والسوريات”.

وأشار إلى “عدم النص على إشراك المجتمع المدني بتسمية أعضاء مجلس الشعب وعدم وجود نصوص حول تشكيل السلطة القضائية لتكون مستقلة تمامًا وتسمية الرئيس لأعضاء المحكمة الدستورية العليا، وعدم وجود وضوح بكيفية وضع الدستور الجديد”.

توازن السلطات وتحديات التنفيذ

وفي سياق متصل، سلط الخبير القانوني بسام طبلية في حديثه لمنصة سوريا ٢٤، الضوء على الفروقات الأساسية بين الإعلان الدستوري والدستور، ليضع الوثيقة في إطارها الصحيح.

وقال: “الإعلان الدستوري يكون مؤقتًا يستخدم في فترات الاضطراب لمنح الرئيس صلاحيات واسعة، بينما الدستور دائم ويُعتمد في المراحل المستقرة بعد الانتخابات”.

وفي تقييمه للإعلان الجديد، لفت إلى نقاط سلبية، منها: “فصل تام عن محاسبة مجلس الوزراء ورئيس الجمهورية على الأخطاء ضمن آليات محددة”، مما قد يؤدي إلى “استعصاء في العلاقة بين السلطات التشريعية والتنفيذية وغياب آلية واضحة لتشكيل لجنة دستورية منتخبة تمثل كل أطياف الشعب السوري بشكل مستقل وذات صلاحيات مطلقة واختلاف مُدتي المجلس التشريعي (سنتان) ورئاسة المرحلة الانتقالية (3-5 سنوات)، مما يخلق عدم توازن”.

وشدد طبلية على: “ضرورة منح البرلمان الصلاحيات الكاملة عند تشكيله”، مؤكدًا أهمية احترام مهامه الأساسية مثل “صياغة القوانين وإقرار الموازنة ومحاسبة الوزراء”.

وأبدى دعمه لـ”قرارات الرئيس المتعلقة بالجيش والأمن في ظروف الحرب”، لكنه رفض “أي تدخل في مهام المجلس التشريعي”.

وردًا على اعتراض البعض على مواد الإعلان، قال: “الإعلان مؤقت ويهدف إلى تنظيم فترة انتقالية عادة ما تكون بعد الثورات والاضطرابات، أما الدستور فهو دائم ويتم إعداده بعد استقرار البلاد”.

واستغرب اعتراض البعض على اختيار الإسلام كمرجعية، مضيفًا: “الأمر يتماشى مع ما هو معمول به في دول مثل بريطانيا واليونان حيث يتماشى دين رئيس الدولة مع دين الأكثرية”. وأشار إلى أن “نص الإعلان على حماية حقوق الأقليات والمساواة أمر طبيعي ومنصف”، موضحًا أن “الدين الإسلامي لم يُعترف به قانونيًا كدين رئيسي حتى الآن في بريطانيا، رغم ممارسة المسلمين شعائرهم بحرية”.

واختتم طبلية حديثه بالتأكيد على “أهمية تحقيق العدالة وعدم حرمان أي فئة من حقوقها في هذه المرحلة الحساسة”، مشددًا على “أهمية العدالة الانتقالية ومحاسبة المجرمين وجبر الضرر وتعويض الضحايا الذين سقطوا بسبب جرائم نظام الأسد البائد”.

توافق وتحديات

ويبقى الإعلان الدستوري السوري نقطة محورية في النقاش القانوني والسياسي، حيث يراه الخبراء القانونيون خطوة ضرورية لتنظيم المرحلة الانتقالية، لكنهم يحذرون من تحديات تطبيقه وضرورة تحقيق توافق وطني شامل لضمان نجاحه كجسر نحو دستور دائم يعكس تطلعات الشعب السوري.

مقالات ذات صلة