حذّر محللون عسكريون في حديثهم لمنصة سوريا ٢٤، من أن التصعيد الإسرائيلي الأخير الذي استهدف مدينة درعا جنوب سوريا قد يكون جزءًا من استراتيجية أوسع تهدف إلى تدمير المقدرات العسكرية في المنطقة، وإعادة تشكيل الواقع الأمني على الحدود مع سوريا ولبنان.
تفاقم الوضع الهش في المنطقة
وفيما تزداد حدة التوغلات الإسرائيلية في القنيطرة، يرى المحللون أن هذه التحركات قد تُفاقم الوضع الهش في المنطقة، وسط توترات متصاعدة تشهدها الحدود السورية اللبنانية.
وشنت القوات الإسرائيلية، مساء أمس الإثنين، غارات جوية عنيفة استهدفت مواقع عسكرية ومناطق مدنية في درعا، أسفرت عن مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة 19 آخرين، بينهم أربعة أطفال وامرأة، إضافة إلى ثلاثة متطوعين من الدفاع المدني السوري.
ووفقًا لتفاصيل الدفاع المدني، فإن الغارة الأولى استهدفت ثكنة عسكرية تابعة للواء 132، مما تسبب في تطاير الشظايا نحو حي مساكن الضاحية السكني الملاصق، مخلفة إصابات بين المدنيين وأضرارًا مادية واسعة.
وخلال عمليات الإنقاذ التي نفذتها فرق الدفاع المدني، تعرض مبنى مجاور لغارة ثانية، أودت بحياة وإصابة المزيد من الضحايا، بينهم ثلاثة متطوعين أصيبوا برضوض متنوعة، كما تضررت سيارة إسعاف كانت في الموقع.
وفي بيان نشره الجيش الإسرائيلي عبر منصة “X”، أكد أن الغارات استهدفت “أهدافًا عسكرية” في جنوب سوريا، مشيرًا إلى أنها شملت مقرات تحتوي على وسائل قتالية تابعة للنظام السوري السابق، والتي يجري إعادة تأهيلها حاليًا.
وقال البيان: “هذه المعدات تشكل تهديدًا أمنيًا، ولن نسمح بوجود تهديد عسكري في جنوب سوريا، وسنتحرك ضده بكل قوة”.
حزب الله قد يستغل التصعيد الإسرائيلي
وتأتي هذه العمليات في سياق تصاعد التوترات على الحدود السورية اللبنانية، حيث شهدت المنطقة مواجهات متقطعة بين الجيش السوري ومقاتلين محسوبين على ميليشيا “حزب الله”، إلى جانب تقارير عن قصف متبادل بين الجانبين.
من جانبه، يرى العقيد إسماعيل أيوب، المحلل العسكري في حديثه لمنصة سوريا ٢٤، أن “التوترات الأمنية بين الحدود اللبنانية والسورية ليست مرتبطة بشكل مباشر بالتوغلات الإسرائيلية، لكن حزب الله قد يستغل هذه النقطة والتصعيد الإسرائيلي للضغط على الحكومة السورية”.
ويركز القصف الإسرائيلي الأخير على تدمير المقدرات العسكرية في المنطقة، حيث دأبت إسرائيل منذ سقوط نظام الأسد السابق في 8 ديسمبر الماضي، على استهداف مستودعات الذخيرة والعتاد العسكري التي خلفها الضباط السابقون في ريف درعا الجنوبي، مستندة إلى معلومات دقيقة من عملاء محليين، حسب أيوب.
ومؤخراً، نقلت إسرائيل قواتها إلى منطقة منزوعة السلاح في القنيطرة تحت مراقبة الأمم المتحدة، حيث تمركزت في مواقع استراتيجية، أبرزها جبل الشيخ.
وجاء هذا التحرك بعد ساعات من تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي أكد أن “إسرائيل لن تسمح بوجود قوات هيئة تحرير الشام في جنوب سوريا، وأن المنطقة يجب أن تبقى منزوعة السلاح”.
خطة إسرائيلية واضحة
وحسب العقيد أيوب، فإن: “الخطة الإسرائيلية واضحة: تدمير جميع أنواع الأسلحة في المنطقة الجنوبية، مع الضغط على الحكومة السورية للرد، لكن الأخيرة غير قادرة على المواجهة عسكريًا بسبب ضعف جيشها ونقص الأسلحة”.
بدوره، يشير المحلل العسكري، العقيد أديب عليوي في حديثه لمنصة سوريا ٢٤، إلى أن “إسرائيل تحاول فصل الجنوب السوري وإنشاء نوع من الحكم الذاتي للأكراد أو نظام فيدرالي، مع التركيز على دعم الطائفة الدرزية”.
ورأى أن: “القصف الإسرائيلي يتركز على النقاط العسكرية في درعا، بينما يتم تجنب استهداف المواقع في السويداء، حيث تحافظ إسرائيل على الأسلحة لدى الفرقة 15، فيما تدمر أسلحة الفرقة الخامسة في درعا، وهو ما يشير إلى استراتيجية لتوزيع السلاح بما يخدم أهدافها”.
ما خيارات الحكومة السورية
وأمام هذا الواقع، يحدد العقيد إسماعيل أيوب خيارين أمام الحكومة السورية: “إما الدخول في حرب استنزاف مع إسرائيل ستزيد من معاناة السوريين وتفاقم الدمار، وهو خيار صعب للغاية، أو تفعيل الدبلوماسية مع الدول الصديقة، خاصة العربية التي لها معاهدات سلام مع إسرائيل، للضغط عليها وكبح جماحها”.
كما يؤكد أن “الصمت ليس خيارًا مقبولًا، بل يجب أن تكون هناك ردود فعل سياسية ودبلوماسية قوية على مستوى مجلس الأمن والدول الفاعلة في المنطقة”.
ونبّه أيوب إلى أن: “كل القوى الشريرة في المنطقة، سواء إسرائيل أو حزب الله أو إيران أو فلول النظام السابق، تعمل على إبقاء سوريا ضعيفة ومنقسمة، بدعم من أيادٍ خفية خارجية تسعى لتدميرها ومنعها من إعادة بناء دولتها”.
ومع استمرار التصعيد، يبقى السؤال: إلى أين ستتجه الأوضاع في ظل هذا التوتر المتصاعد وخاصة في الجنوب السوري وعلى الحدود السورية اللبنانية؟