تحاول عائلة الطفلة هيا رضوان الحمد، البالغة من العمر أربع سنوات ونصف، إعادة السمع لابنتهم التي وُلدت صماء في بلدة تل عودة بريف القامشلي، في البداية، اعتقدت العائلة أن هيا مجرد طفلة خجولة، ولذلك لم تكن تستجيب لنداءاتهم، لكن مع مرور الوقت، اكتشفوا أنها تعاني من فقدان السمع.
والد هيا معتقل سابق يعمل سائق حافلة أحياناً، وإمكانياته المادية بسيطة تكاد لا تكفي لإعالة عائلته، إضافة إلى مرض والده كذلك بالسرطان، وأطفاله الثلاث وزوجته، ورغم ذلك بحثت العائلة عن حلول، وحاولت مرارًا إجراء عملية زراعة القوقعة.
فلجأت إلى العديد من الجمعيات في دمشق والحسكة والقامشلي حتى إن والدة الطفلة هيا اضطرت للإقامة أكثر من شهرين بدمشق تنتظر وعود الدعم، لكنها اصطدمت بعائق مالي كبير، إذ وصلت تكلفة العملية إلى تسعين مليون ليرة سورية ثم قالوا لهم إنها قد تكلف ضعف هذا الرقم، وهو مبلغ يفوق إمكانياتهم بكثير، ورغم كل المحاولات، بقي الأمر دون جدوى.
واقع الأطفال الصم في سوريا وأرقام غير دقيقة
لا توجد إحصاءات رسمية حديثة حول عدد الأطفال الصم في سوريا، إلا أن بعض التقارير تشير إلى ارتفاع عدد الأطفال ضعاف السمع في السنوات الأخيرة بسبب الحرب ونقص الخدمات الطبية، خاصة في شمال سوريا. قبل عام 2011، كانت التقديرات تشير إلى وجود حوالي ألف مصاب بالصمم والبكم في مناطق معينة، لكن لا توجد إحصائيات دقيقة حول العدد الإجمالي للحالات في جميع أنحاء سوريا اليوم.
إطلاق البرنامج الوطني لزراعة القوقعة
في ظل هذه الأزمة، تم الإعلان عن مشروع جديد للتخفيف من معاناة الأطفال الصم، حيث أطلقت منظمة الأمين بالتعاون مع وزارة الصحة السورية البرنامج الوطني لزراعة القوقعة والتأهيل السمعي، وهو مشروع يهدف إلى دعم الأطفال الذين يعانون من ضعف السمع الشديد.
تقول والدة هيا لمنصة سوريا 24: “فقدت الأمل تمامًا بعد سنوات من المحاولات الفاشلة، فالمبلغ المطلوب لعلاج هيا كان يفوق قدرتنا، وكنت أشعر بحزن شديد وخوف على مستقبلها. لكن في الصيف الماضي، تابعت برنامج زراعة القوقعة الذي أطلقته منظمة الأمين بدعم من مركز الملك سلمان، وكنت أشعر بسعادة غامرة وأنا أشاهد فيديوهات الإعلامي جميل الحسن على منصة سوريا ٢٤ مع الأطفال الذين تمكنوا من السمع لأول مرة. استعدت الأمل في أن تكون هيا بينهم، لكنني كنت أعتقد أن الأمر سيقتصر على أطفال الشمال المحرر بسبب صعوبة وصولنا إلى هناك، ولكن بعد سقوط النظام سارعت للتسجيل فور إعلان إطلاق البرنامج الجديد في دمشق، وأنتظر الرد بفارغ الصبر، متمنية أن تكون هذه الفرصة بداية جديدة لهيا.”
يستهدف البرنامج ألف طفل مؤهل لزراعة القوقعة، إلى جانب برنامج تأهيلي سمعي متكامل لضمان تحقيق أفضل النتائج. سيتم تنفيذ المشروع وفق أحدث المعايير الطبية لضمان نجاح العمليات وتحسين جودة حياة الأطفال، وقد دعت الجهات المنظمة الأهالي الراغبين في تسجيل أطفالهم للاستفادة من البرنامج إلى التقديم عبر الرابط الذي حددته وزارة الصحة السورية.
تصريحات رسمية: معايير الاختيار وسير العمل
أكد الدكتور زهير قراط، مدير التخطيط والتعاون الدولي في وزارة الصحة، أن المشروع أُطلق بالتعاون مع الجمعية الدولية لرعاية ضحايا الحروب والكوارث (الأمين) وبدعم من مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، مشيرًا إلى أن عدد الحالات المسجلة تجاوز العدد المخطط له بأضعاف، مما استدعى وضع آلية دقيقة لاختيار الأطفال المؤهلين وفقًا لمعايير محددة.
وأوضح الدكتور قراط لمنصة سوريا 24 أن اختيار الحالات سيتم بناءً على أولوية العمر، معدل الذكاء، والتأهيل قبل الزراعة، حيث تساعد هذه العوامل في تحقيق أفضل النتائج بعد العملية. وبيّن أن الفئة العمرية المفضلة للاستفادة من المشروع هي حتى عمر سنتين، مع توسيع الاستفادة حتى خمس سنوات، بالإضافة إلى حالات خاصة فوق هذا العمر، وذلك وفقًا لتقييم فريق طبي متعدد التخصصات يضم أطباء، جراحين، معالجين نفسيين، وأخصائيي نطق وإعادة تأهيل.
المرحلة الأولى من المشروع وعمليات الزرع
كشف الدكتور قراط أنه تم إجراء عمليات الزرع لـ 31 طفلًا ضمن المرحلة الأولى من مشروع “ألف قوقعة” لعام 2025، موضحًا أن العمليات ستستأنف للدفعة الثانية بعد عيد الفطر، بعد مراجعة قائمة المسجلين وفرز الأطفال المؤهلين. وأضاف أن العمليات تُجرى حاليًا في مدينة دمشق، فيما يجري العمل على تجهيز مراكز أخرى في المحافظات السورية لاستيعاب أكبر عدد من الحالات في المستقبل.
الأمل مستمر.. هل تكون هيا من بين المحظوظين؟
رغم العقبات التي تواجه العديد من العائلات السورية في علاج أطفالهم الصم، فإن هذه المبادرات تمنحهم بصيص أمل، في انتظار أن يتوسع المشروع ليشمل المزيد من الأطفال الذين يحلمون بسماع أصوات أحبّتهم لأول مرة. ويبقى السؤال: هل ستكون هيا من بين المحظوظين؟ العائلة تنتظر الجواب.