كان يحدّق في الصورة بصمت، ودمعةٌ ثقيلةٌ تسقط من عينه كلما أعاد النظر. عبد اللطيف قنبر، والد الشاب رامي، لم يكن يتخيّل أن آخر ما سيراه من ابنه سيكون صورة منشورة على مواقع التواصل، يظهر فيها إلى جانب الضابط في قوات النظام البائد حسن بهاء داخل المشفى العسكري في دمشق، في أواخر عام 2019.
رامي عبد اللطيف قنبر، الشاب الذي انشق عن الجيش السوري عام 2011، وكان يزوّد الثوار بمعلومات من الداخل قبل أن يُعلن انضمامه العلني، اعتُقل من قبل فرع فلسطين، أحد أشرس الأفرع الأمنية في سوريا، في عام 2019، بعد أشهر من التسوية التي جرت بين فصائل المعارضة ونظام الأسد برعاية روسية. والده يروي بحزن لمنصة سوريا 24: “بعد أيام من اعتقاله، اتصلوا بي وقالوا: بدك ابنك؟ جيب مليون ونص وتعال خدوه. ووعدوني أن القاضي سيُفرج عنه، لكن بعد يومين، انتشرت صورته على مواقع التواصل الاجتماعي إلى جانب حسن بهاء… كانوا قد صفّوه”.
اتُّهِم رامي بأنه شارك في فك الحصار عن مدينة الحراك، ووُصِف بالمسلّح، رغم أنه كان قد سلّم نفسه ضمن اتفاق التسوية. مضى شهران على اعتقاله، قبل أن تأتي النهاية التي لم تكن مفاجئة، لكنها كانت قاسية.
اليوم، وبعد سنوات، بدأ يظهر بصيص أمل في طريق العدالة. في هولندا، حيث يعيش نحو 200 ألف لاجئ سوري، تعمل السلطات الأوروبية بالتعاون مع الشرطة الدولية (اليوروبول) على ملاحقة مرتكبي جرائم الحرب، سواء أكانوا من ضباط النظام أم من المتعاونين معه.
الصحفي الهولندي أنتي ألكسندر ماتيوس تابع ملف حسن بهاء الذي ظهر في صورة إلى جانب الضحية رامي، وأكد لمنصة سوريا 24 أنّ الشرطة الهولندية ما تزال تحقق مع المتهم، وأنه نُقل من مركز اللجوء إلى فرع التحقيق.
ورغم اعتقاده أنّ هناك عشرات المجرمين من بقايا النظام السوري البائد يعيشون وسط اللاجئين في هولندا، إلا أنه أكد أن الملاحقات الجنائية والقضائية ستحول دون جعل أوروبا بيئة آمنة لهم.
ويأتي اعتقال حسن بهاء على خلفية تداول السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي صورًا لشخص شارك في مظاهرة ضد الحكومة السورية الجديدة أمام محكمة العدل الدولية، على خلفية أحداث الساحل السوري التي أودت بحياة المئات من مدنيين وعسكريين وعناصر أمن.
إلا أنّ الشرطة الهولندية قالت إنّ السوري الذي شارك في المظاهرة في لاهاي هو طالب لجوء يقيم في مدينة دلفت، وقد تعرض لاتهامات خاطئة أدت إلى مضايقات وتهديدات. كما أكدت أنها تحقق مع المدعو حسن بهاء، الذي تبيّن أنه حصل على حق اللجوء في هولندا منذ عام 2023، ويقيم حاليًا في مركز لجوء في لايدن، ويبلغ من العمر 39 عامًا.
وفي تعليقها على الصورة التي انتشرت لحسن بهاء بجانب جثة الشاب رامي، أوضحت المتحدثة باسم الشرطة أنّ “الصورة مروعة للغاية، لكن مجرد وجود صورة كهذه لا يشكّل جريمة بحد ذاته”، وأنّ السلطات الهولندية تقوم بالتحقق من هوية الرجل ومكان عمله وحيثياته، وأنّ هذه المسائل قد تستغرق وقتًا كبيرًا، وأنّ السلطات الهولندية تعمل على متابعتها بدقة.
قد لا تعيد العدالة رامي إلى حضن أبيه، لكن الأمل أن تجعل هذه المحاكمات أوروبا أرضًا غير آمنة لمرتكبي الجرائم في سوريا. فهنا، لا تسقط الجرائم بالتقادم، ولا تُنسى وجوه الضحايا.
المحامي أنور البني، الناشط في توثيق الجرائم والمساءلة القانونية، قال لمنصة سوريا 24 إن عددًا كبيرًا من مرتكبي الجرائم في سوريا فرّوا خلال الأشهر الأخيرة، مشيرًا إلى أن بعضهم أرسل عائلاته إلى أوروبا ويسعى للالتحاق بها عبر لمّ الشمل.
وأوضح أن الشرطة الأوروبية، بالتعاون مع “اليوروبول”، تمتلك معلومات مسبقة عن عدد من هؤلاء، مشيرًا إلى أن هناك تعاونًا ملحوظًا من السوريين في أوروبا، حيث يتم الإبلاغ عن وجود مجرمي النظام في عدة دول، خصوصًا في أوروبا الشرقية.
وقال إنهم كسوريين لن يسمحوا لهؤلاء بالتمتع بالأموال التي نهبوها، مشيرًا إلى وجود ملفات عديدة تم فتحها، وبعضها أدى إلى توقيفات.
وأضاف أن الشرطة تتحرك فور وجود قرائن على ارتكاب الجرائم، حتى في حال عدم اكتمال الأدلة، وأن هناك تجاوبًا من الجهات القضائية التي تتعامل بجدية مع هذه القضايا بانتظار استكمال ملفات الإدانة.
يأمل العم عبد اللطيف قنبر أن يُعاقَب المجرم الذي ظهر إلى جانب جثة ابنه في المشفى العسكري في دمشق، ويختم حديثه بأن خبر الاعتقال جيد، ولكنه يتخوف من إفلاته من العقاب، ويتمنى في نهاية حديثه أن تطال العدالة جميع مجرمي النظام البائد.