في ظل التحديات البيئية والاقتصادية التي تواجه قطاع الثروة الحيوانية في سوريا، يبرز “مركز بحوث شطحة” كواحد من المراكز البحثية الرائدة التي تعمل على تعزيز استدامة قطعان الجاموس وتحسين إنتاجيتها.
ويقع المركز في منطقة سهل الغاب بريف حماة الغربي، وهي معروفة بتاريخها العريق في تربية الجاموس، ويُعدّ ملاذًا لهذه الثروة الحيوانية التي تواجه خطر الانقراض بسبب عوامل متعددة.
واقع الثروة الحيوانية في سهل الغاب
بحسب المهندس نادر درباس، مدير مركز بحوث شطحة، فإن عدد قطيع الجاموس في منطقة الغاب قد انخفض بشكل حاد خلال السنوات الأخيرة.
وكان عدد الجاموس في المنطقة يصل إلى حوالي 2000 رأس عام 2010، لكنه تراجع الآن ليصل إلى أقل من 600 رأس.
ويعود هذا الانخفاض، حسب ما ذكر درباس في حديثٍ لمنصة سوريا ٢٤، إلى عدة أسباب، منها تهجير سكان بعض القرى مثل التوينة والكريم بسبب الظروف الأمنية، بالإضافة إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي دفعت العديد من المربين إلى بيع قطعانهم.
الجاموس الموجود في المنطقة ينتمي إلى سلالة “الجاموس المستنقعي” التي تتبع لسلالة غرب الأناضول، وهو ثنائي الغرض يُنتج كميات جيدة من اللحم وإنتاجًا متوسطًا من الحليب.
ومع ذلك، فإن متوسط إنتاج الحليب في الموسم الواحد لا يتجاوز 1100 كيلوغرام، بمعدل فترة إدرار تصل إلى 210 أيام. وتُعدّ هذه الأرقام جيدة نسبيًا عند مقارنتها بإنتاج المربين المحليين، الذي يبقى أقل بكثير.
دور مركز بحوث شطحة
ويقوم مركز بحوث شطحة بجهود كبيرة لتحسين إنتاجية الجاموس وحماية هذه الثروة الحيوانية.
وحاليًا، يضم المركز 154 رأسًا من الجاموس، منها 57 جاموسًا منتجًا (إناث سبق أن ولدن)، وستة ثيران تلقيح، و24 رأسًا من البكاكير، بالإضافة إلى قطيع نامٍ بأعمار مختلفة.
إدارة التغذية والإنتاج
• يتم توفير التبن محليًا من مركز بحوث الغاب، بينما يتم شراء باقي الاحتياجات الغذائية عبر المناقصات التي تنظمها الإدارة المركزية في دمشق.
• بالنسبة للأعلاف المركزة، يتم توفيرها من المؤسسة العامة للأعلاف، ويتم تحويل قيمتها عن طريق الإدارة في دمشق.
• يُباع الحليب المنتج للعاملين في المحطة بسعر مخفض وفقًا لموافقة وزارية تصدر كل ثلاثة أشهر، بينما يُباع اللحم عن طريق إدارة العقود في هيئة البحوث بدمشق من خلال مزادات بالظرف المختوم.
العناية بالقطيع
يتم العناية بالقطيع من قِبل طاقم مدرَّب يقوم بانتخاب الحيوانات الجيدة واستبعاد الحيوانات ذات الإنتاج الضعيف.
وتبلغ الطاقة الاستيعابية لحظائر المحطة 160 رأسًا، وكانت هناك مبادرات سابقة لتوزيع ثيران محسَّنة لمربّي الجاموس في منطقة الغاب بأسعار معقولة لتحسين قطعانهم، لكن هذه المبادرات توقفت منذ 15 عامًا بسبب الظروف الاقتصادية والسياسية.
ورغم أن مركز بحوث شطحة ليس محطة إنتاجية، فإنه يركّز على إجراء أبحاث في مجالات التربية والتغذية، حيث يتم توجيه نتائج هذه الأبحاث إلى مربّي الجاموس في منطقة الغاب من خلال الندوات الإرشادية والأيام الحقلية.
وأحد أهم الأهداف الاستراتيجية للمركز هو انتخاب سلالات جيدة من الجاموس لزيادة إنتاج الحليب، ودراسة الخصائص الشكلية والإنتاجية والتناسلية لهذه السلالات.
اقتراح استيراد سلالات جديدة
ويشير المهندس نادر درباس إلى ضرورة استيراد نواة قطيع من سلالات الجاموس النهري الموجودة في الهند وباكستان، مثل سلالة “الموراه” أو “الجعفري أباد” أو “السورتي”.
وتُعدّ هذه السلالات عالية الإنتاج، حيث تعطي أكثر من 2000 كيلوغرام من الحليب في الموسم الواحد، ويُعتقد أن استيراد مثل هذه السلالات وتكاثرها محليًا يمكن أن يعزز من انتشار الجاموس في سوريا، خاصة وأن تربيته تُعدّ اقتصادية ومجدية.
وحسب درباس، كانت هناك محاولات عديدة سابقة لاستيراد هذه السلالات عن طريق التواصل مع وزراء الزراعة السابقين، لكن دون جدوى، ومع ذلك، لا يزال المركز يسعى لتحقيق هذا الهدف الذي يراه ضروريًا لتعزيز استدامة الثروة الحيوانية.
تحديات وآفاق مستقبلية
ورغم الجهود المبذولة، تواجه الثروة الحيوانية في منطقة الغاب تحديات كبيرة تتعلق بالوضع الاقتصادي، وتغيّر الأنماط الزراعية، ونقص الدعم الحكومي، ومع ذلك، فإن العمل المستمر في مركز بحوث شطحة يمثل بصيص أمل لتحسين إنتاجية الجاموس وضمان استدامته على المدى الطويل.
وتُعدّ جهود مركز بحوث شطحة خطوة مهمة نحو تعزيز استدامة الثروة الحيوانية في سوريا، ومن خلال التركيز على الأبحاث العلمية والانتخاب الوراثي واستيراد سلالات جديدة، يمكن تحقيق تقدم ملموس في تحسين إنتاجية الجاموس ورفع مستوى دخل المربين، ومع ذلك، فإن تحقيق هذه الأهداف يتطلب دعمًا أكبر من الجهات الحكومية والقطاع الخاص لمواجهة التحديات القائمة.