نقابة الفنانين السوريين تدعو لتحقيق العدالة الانتقالية

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص - SY24

في خطوة غير مسبوقة، أصدرت نقابة الفنانين السوريين بيانًا خاصًا حمل في طياته دعوة واضحة لتعزيز مسار العدالة الانتقالية كوسيلة أساسية لتحقيق السلم الأهلي واستعادة الثقة بين أبناء الشعب السوري.

البيان، الذي وقع عليه عدد كبير من الفنانين السوريين البارزين، بمن فيهم نقيب الفنانين، مازن الناطور، وفارس الحلو، وجمال سليمان، وغطفان غنوم، وبسام داوود، ويارا صبري، وآخرون، جاء ليؤكد على دور الفن في تضميد الجراح الوطنية وإعادة بناء الدولة السورية على أسس قانونية وديمقراطية.

أدوار متعددة في خدمة العدالة الانتقالية

البيان أشار بوضوح إلى أن الفنانين السوريين ليسوا مجرد مشاهدين أو شهود على المأساة الوطنية، بل هم جزءٌ لا يتجزأ من الحل. ويبدو أن النقابة تعتمد على ثلاثة محاور رئيسية يمكن للفنانين من خلالها دعم مسار العدالة الانتقالية، وهي: حفظ الذاكرة: من خلال توثيق روايات الضحايا فنيًا لمواجهة الإنكار، وتعزيز الحوار: أي إنتاج أعمال فنية تسهم في المصالحة وتخفيف الاحتقان، ونشر الوعي: بتوجيه الرأي العام نحو أهمية العدالة وحقوق الإنسان.

وفي هذا السياق، قال الفنان والممثل المسرحي بسام داوود في حديثٍ لمنصة سوريا ٢٤: “أعتقد أن الدور الذي يلعبه الفنانون بأي بيان هو التوقيع والمشاركة والنشر، الهدف من البيانات هو التفاعل والتوعية لنشر فكرة أو مجموعة من الأفكار”.

وأوضح داوود أن دور الفنانين في البيان يقتصر على المشاركة والتوقيع، وهو فعل يعزز الوعي المجتمعي: “كلما زاد العدد، كلما كان هناك تأثير أكبر، كما لو أنك تجمع توقيعاتٍ من العالم لدعم قضيةٍ ما”.

لكن داوود ركز أيضًا على التمييز بين دور الفنان في البيان ودوره العملي على الأرض: “أما دور الفنان على الأرض فيتمثل في المشاركة بأعمال فنية وتقديم إنتاجات فنية تعزز فكرة السلم الأهلي والعدالة الانتقالية والتواصل بين جميع مكونات الشعب، والعمل معًا ضمن فرق فنية”.

وأكد داوود قائلًا: “للمرة الأولى أشعر أن هناك انسجامًا بيني وبين النقابة كفنان وكجزء من هذه الثورة التي شاركت فيها منذ بدايتها، النقابة بدأت تمثل غالبية أعضائها، وهو بادرة جيدة، لأنه يفتح الباب أمام الحوار الحقيقي بين الفنانين المختلفين في وجهات النظر، مما يمكننا من الوصول إلى مشروع مشترك نبني عليه مستقبل العمل الفني في سوريا”.

العلاقة بين غياب العدالة واستمرار التوترات

البيان يعكس موقف النقابة بأن استمرار غياب العدالة الانتقالية هو عامل رئيسي في استمرار التوترات الاجتماعية والسياسية في سوريا، إذ يشدد البيان على أن “تأخير إطلاق مسار العدالة الانتقالية يحمل في طياته ألغامًا مدمرة على استقرار البلاد ومستقبلها”.

ووفق الخبير القانوني في مجال حقوق الإنسان والقانون الجنائي الدولي، المعتصم الكيلاني، فإن غياب إطار وطني للعدالة الانتقالية لا يُعد مجرد تقصير سياسي، بل هو خرق صريح للالتزامات الدولية التي يجب أن تتحملها الدولة السورية.

ويضيف الكيلاني في حديثٍ لمنصة سوريا ٢٤: “في سياق التحولات السياسية والاجتماعية التي تشهدها سوريا منذ أكثر من عقد، برز بيان الفنانين السوريين الأخير بوصفه مساهمة مهمة في النقاش العام حول العدالة الانتقالية، مستندًا إلى خطابٍ حقوقي وإنساني متماسك، وأجد أن هذا البيان يطرح مرتكزات أساسية تتوافق مع المعايير القانونية الدولية وتشكل مدخلًا ضروريًا لأي عملية تحول ديمقراطي حقيقية”.

ويُحسب للبيان تأكيده على أن مبدأ المسؤولية الفردية، وليس الجماعية، هو الأساس في ملاحقة الجناة، وهذا ما يتفق تمامًا مع ما كرّسته العدالة الجنائية الدولية، لا سيما في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (نظام روما الأساسي، المادة 25)، حسب كيلاني.

ولا تقل أهمية البُعد الثقافي والفني الذي أشار إليه البيان، والمتمثل في حفظ ذاكرة الضحايا وتوثيق رواياتهم، عن أهمية المساءلة القضائية، إذ أصبحت مقاربة العدالة الانتقالية في سياقات ما بعد النزاع تعتمد على أدوات متعددة الأبعاد، تشمل التوثيق المجتمعي، والفن، والأرشيف الشعبي، وهو ما يُسهم في تعزيز الحقيقة التاريخية، ومنع إنكار الانتهاكات، وتثبيت سردية الضحايا.

ويختتم الكيلاني قائلًا: “إن تأخير إطلاق مسار العدالة الانتقالية لا يهدد فقط حاضر سوريا، بل يقوّض أسس أي مشروع مستقبلي لبناء دولة قائمة على سيادة القانون والمواطنة المتساوية”.

العدالة الانتقالية كجسر بين الماضي والحاضر

إحدى أكثر النقاط إثارة للاهتمام في البيان هي تشبيه العدالة الانتقالية بـ”الجسر الوحيد بين جرحٍ لم يُعالج بعد وسلامٍ لا يمكن أن يُبنى على الرمال”، وهذه العبارة تحمل رسالة قوية مفادها أن سوريا تحتاج إلى عملية شاملة وجذرية لمعالجة الجراح التي تركتها سنوات الحرب والقمع، وأن أي تساهل في هذا المجال سيؤدي إلى انهيار أي مشروع مستقبلي للسلم الأهلي.

ويختتم البيان بمطالبة الحكومة السورية باتخاذ خطواتٍ جادة وعاجلة في هذا الاتجاه، مؤكدين أن العدالة ليست فقط حقًا للضحايا، بل هي الضمانة الوحيدة لتأسيس دولة عصرية قائمة على سيادة القانون والمواطنة المتساوية.

ووسط كل ذلك، فإن البيان يمثل دعوة للعمل المشترك بين جميع أطياف الشعب السوري، ولوضع حدٍّ للإفلات من العقاب الذي طال أمده كثيرًا، وإذا ما تمكن الفنانون السوريون من ترجمة كلماتهم إلى أفعال عبر أعمال فنية تحمل رسائل السلام والمصالحة، فقد يكون لهذا البيان أثر عميق في إعادة بناء النسيج الاجتماعي السوري الممزق.

رابط البيان الذي يحمل اسماء الفنانين الموقعين:
https://docs.google.com/forms/d/e/1FAIpQLSduUL5UNMQ2TSUPkNnRyTbUCkztbbdZtBymNdC4e0c-R6vmlQ/viewform?fbclid=IwY2xjawJrIUpleHRuA2FlbQIxMQABHmsDQ_Oyhov7cUwFUgdoWDV1ZgV3p2powCc6KKM2RRwi6YoHQg-xm7SS-CBl_aem_hFkL2P7-9Y7aNrkrcg4j2w

مقالات ذات صلة